العَدْل، وقال للقاضي: ما أرى أحدًا يشكو من شيركوه، فأخبره الخبر، فسجد، وقال: الحمد لله الذي جعل أصحابنا يُنصفون من نفوسهم قبل حضورهم عندنا.
وكان يقعد في دار العَدْل في كلِّ أسبوع أربعة أيام [أو خمسة](١) ويحضر عنده الفقهاء (٢)، ويأمر بإزالة الحاجب والبواب، ويوصل إليه الشيخ الضَّعيف والعجوز الكبيرة، ويسأل الفقهاء عما أَشكل عليه (٣).
[قال](٤): وكان [نور الدين](٤) إذا حضر الحرب شدَّ تَرْكَشَين (٥)، وحمل قوسين، وباشر الحرب بنفسه، فقال له القطب النَّيسابوري: لا تخاطر بنفسك فأنتَ عمادُ الإسلام والمُسْلمين، فلو أُصبتَ في معركة والعياذ بالله؛ لا يبقى من يقوم مقامك وذهبت البلاد. فقال له: ومَنْ محمود حتى يُقال له هذا، ومن حفظ [البلاد قبلي إلا الله تعالى (٣).
وكان إذا مات أحدٌ من جنده] (٤) أو قُتِلَ وله ولد، فإن كان كبيرًا أقرَّ الإقطاع عليه، وإنْ كان صغيرًا رتَّب معه من يتولى أمره إلى أن يكبر، فكان الأجناد يقولون: هذه أملاكنا ونحن نقاتل عليها لأنَّا نتوارثها (٣).
[قال](٤): وما كان يتكل الجند على الأُمراء بل يتولاهم بنفسه، ويباشر [هم، ويتفقد](٤) خيولهم وسلاحهم مخافة أن يقصِّر الأُمراءُ في حقِّهم، ويقول: نحن كل وقت في النَّفير، فإذا لم تكن أجنادُنا كاملي العُدَّة دخل الوَهْن على الإسلام (٣).
[قال](٤): وبنى جامعه بالمَوْصل، وفوَّض عمارته إلى الشيخ عمر المَلَّاء، وكان من الصَّالحين، فقيل له: إنَّه لا يصلح لمثل هذا. فقال: إذا ولَّيتُ بعضَ الأجناد [أو بعض العمال](٤) فلا يخلو من الظُّلم، وبناءُ الجامع لا يفي بظُلْم رجلٍ مُسْلم، وإذا ولَّيتُ مثل هذا الشيخ غَلَبَ على ظنِّي أنَّه لا يظلم، فإذا ظلم كان الإثمُ عليه [لا عليَّ](٤).
(١) كذا في النسخ الخطية، وفي "الباهر" ١٦٨: وكان يجلس في الأسبوع يومين. (٢) في (م): ويحفر عنده العلماء والفقهاء. (٣) "الباهر": ١٦٨ - ١٧٠. (٤) ما بين حاصرتين من (م) و (ش). (٥) التركاش: كلمة فارسية تعني: جعبة السهام. انظر "المعجم الذهبي".