وروي أن خطَّافةً عشَّشت في مجلس أنوشروان، فدبّت حيّةٌ فأخذت فِراخها، فحزنت حُزناً شديداً، فعَزّاها جميعُ الطير، فلم تقبل عزاءً، فلامها بعض الطَّير، فقالت: والله ما أبكي على نفسي الرزيَّة، وإنما أبكي لما جرى علي من الظلم في مجلس العدل. فقيل لها: إن أنوشروان لم يعلم. فقالت: هذا أعظم، يتولَّى أمورنا وَيغفل عنا.
وكان على خاتمه: عَدلُ السلطان خيرٌ من خِصب الزمان.
وكان له جامُ ذهب يأكل فيه، فسرقه بعض الغلمان وكسرى ينظر إليه، فافتقد الطباخ الجام فلم يجده، فبُهت، فقال له كسرى: لا تتعنَّى، الذي أخذه ما يرده، والذي رآه ما يَنمُّ عليه. ودخل السارق بعد مدةٍ وعليه مِنْطَقةٌ من جوهرٍ، فقال له بالفارسية: هذا من ذاك. فخجل الرجل وخاف، فقال له كسرق: لا بأس عليك.
وكتب إليه صاحب خراجه: إني قد جبيت في هذه السَّنة زيادةً على المعهود ثمانية آلاف ألف درهم. فوقَّع كسرى على ورقته: إن الملك إذا عمرت بيوت أمواله بما يأخذه من أموال رعيته، كان كمن عَمّر سطح بيته بما يقلعه من قواعد بنيانه. ثم أمر برد المال إلى الرعية (٢).
وأنوشروان هو الذي بنى السُّور على جبل القبج عند باب الأبواب، وغرم أموالاً جليلة، وحسم به مواد الفساد من الأمم التي خلفه، وعمل فيه الأبواب وأقام عليها الحرس.
وقتل في يوم واحدٍ من المزدكية ثمانين ألفاً، وقتل مزدك أيضاً على النهروان من أرض العراق، وكان قد استفحل أمرهم.