المؤيد بالله والإِمام يحيى وبعض أصحاب أبي حنيفة (١): يجوز ما فعل لغير التلاوة كـ: يا مريم اقنتي، لا لقصد التلاوة.
احتج الأولون القائلون بالتحريم بحديث الباب (٢). وحديث ابن عمر الذي سيأتي (٣). وحديث:"اقرءوا القرآن ما لم يصب أحدكم جنابة فإن أصابته فلا، ولا حرفًا"(٤).
ويجاب عن ذلك بأن حديث الباب ليس فيه ما يدل على التحريم، لأن غايته أن النبي ﷺ ترك القراءة حال الجنابة، ومثله لا يصلح متمسكًا للكراهة، فكيف يستدل به على التحريم؟. وأما حديث ابن عمر ففيه مقال سنذكره عند ذكره، لا ينتهض معه للاستدلال. وأما حديث:"اقرأوا القرآن" إلخ، فهو غير مرفوع بل موقوف على عليّ ﵇، إلا أنه أخرج أبو يعلى (٥) من حديث علي قال: "رأيت رسول الله ﷺ توضأ، ثم قرأ شيئًا من القرآن ثم قال: هكذا لمن ليس بجنب، فأما الجنب فلا، ولا آية "، قال الهيثمي (٦): ورجاله موثقون فإن صح [هكذا](٧) صلح للاستدلال به على التحريم.
(١) "البحر الزخار" (١/ ١٠٣). (٢) هو حديث ضعيف لا يحتج به. (٣) برقم (١٤/ ٢٩٩) من كتابنا هذا، وهو حديث ضعيف أيضًا. (٤) أخرجه الدارقطني في "سننه" (١/ ١١٨ رقم ٦) وقال: هو صحيح عن علي - أي موقوفًا. لكن أخرجه أحمد في "المسند" (١/ ١١٠) مرفوعًا. ولفظه: عن أبي الفريق قال: أُتى عليٌّ بوَضُوءٍ، فمضمض واستنشقَ ثلاثًا، وغسلَ وجهَه ثلاثًا، وغسل يديه وذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ثم مسح برأسِه، ثم غسل رِجليه، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله ﷺ توضأ، ثم قرأ شيئًا من القرآن، ثم قال: "هذا لمن ليس بجُنبٍ، فأما الجُنب فلا، ولا آية". وأخرجه أبو يعلى (١/ ٣٠٠ رقم ١٠٥/ ٣٦٥) والبيهقي/ ١/ ٧٩). وأورده الهيثمي في "المجمع" (١/ ٢٧٦) وقال: "رواه أبو يعلى، ورجاله موثقون". قلت: ولم يعزه الهيثمي في "المجمع" لأحمد وهو على شرطه. والخلاصة أن الموتوت إسناده حسن، والله أعلم. (٥) في "المسند" رقم (١٠٥/ ٣٦٥) وقد تقدم. (٦) في "مجمع الزوائد" (١/ ٢٧٦) وقد تقدم. (٧) في (ب): (هذا).