وقد أطال الكلام على بيان معنى هذا الحصر (١) علماء المعاني والبيان، فليرجع إلى ذلك.
قوله:(ألحن) بالنصب على أنه خبر كان؛ أي: أفطن بها، ويجوز أن يكون معناه: أفصح تعبيرًا عنها، وأظهر احتجاجًا، حتى يخيل أنه محقٌّ؛ وهو في الحقيقة مبطل.
والأظهر أن معناه: أبلغ. كما وقع في رواية في الصحيحين (٢)؛ أي: أحسن إيرادًا للكلام، ولا بدّ في هذا التركيب من تقدير محذوف لتصحيح معناه؛ أي: وهو كاذب.
ويسمى هذا عند الأصوليين: دلالة اقتضاء (٣)؛ لأن هذا المحذوف اقتضاه اللفظ الظاهر المذكور بعده. [و](٤) قال في النهاية (٥): اللحن: الميل عن جهة الاستقامة، يقال: لحن فلان في كلامه: إذا مال عن صحيح المنطق، وأراد: أنَّ بعضهم يكون أعرف بالحجة، وأفطن لها من غيره، ويقال: لحنت لفلان: إذا قلت له قولًا يفهمه ويخفى على غيره، لأنك تميله بالتورية عن الواضح المفهوم. انتهى.
قوله:(فإنما أقطع لى قطعة من النار) أي الذي قضيت له بحسب الظاهر إذا كان في الباطن لا يستحقه فهو عليه حرام يئول به إلى النار. وهو تمثيل يفهم منه شدة [التعذيب](٦) على ما يتعاطاه فهو من مجاز التشبيه، كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا﴾ (٧).
وقد قدمنا الكلام على بعض ألفاظ الحديث في كتاب الصلح (٨) فوقع تكرار البعض هنا لتكرار الفائدة.
(١) انظر: "معترك الأقران في إعجاز القرآن" (١/ ١٣٨ - ١٣٩). والبلاغة العربية (١/ ٥٢٤ وما بعدها). (٢) البخاري رقم (٢٤٥٨) ومسلم رقم (٤/ ١٧١٣). (٣) إرشاد الفحول للشوكاني ص ٥٨٨ بتحقيقي. (٤) ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب). (٥) النهاية (٢/ ٥٩٣) وغريب الحديث للهروي (٢/ ٢٣٢) والقاموس المحيط ص ١٥٨٧. (٦) في المخطوط (ب): (التعب). (٧) سورة النساء، الآية: (١٠). (٨) "نيل الأوطار" (١٠/ ٣٣٨ - ٣٤٠) من كتابنا هذا.