وقع منه ما ظاهره نسيانها لا سيما ممن له تعلق بذلك، والقائل له بذلك عائشة كما تدلُّ عليه الروايات الآخرة؛ فإنها لما خشيت أن يكون ﷺ نسي مقدار ما حلف عليه وهو شهر، والشهر ثلاثون يومًا، أو تسعة وعشرون يومًا، فلما نزل في تسعة وعشرين ظنت: أنَّه ذهل عن القدر، أو أن الشهر لم يهلَّ، فأعلمها: أن الشهر استهلَّ، وأنَّ الذي كان الحلف وقع فيه تسعًا وعشرين: وفيه تقوية لقول من قال: إنَّ يمينه ﷺ اتفق أنها كانت في أول الشهر، ولهذا اقتصر على تسعةٍ وعشرين، وإلا فلو اتفق ذلك في أثناء الشهر، فالجمهور (١): على أنَّه لا يقع البرُّ إلا بثلاثين.
وذهبت طائفة إلى الاكتفاء بتسعة وعشرين أخذًا بأقلِّ ما ينطلق عليه الاسم.
قال ابن بطال (٢): يؤخذ منه: أن من حلف على شيءٍ برّ بفعل أقلِّ ما ينطلق عليه الاسم، والقصة محمولة عند الشافعي (٣)، ومالك (٤): على أنه دخل أول الهلال وخرج به، فلو دخل في أثناء الشهر لم يبرّ إلا بثلاثين وافية.
قوله:(إن الشهر يكون تسعًا وعشرين) هذه الرواية تدلُّ: على المراد من الرواية الأخرى بلفظ: "الشهر تسع وعشرون"(٥) كما في لفظ ابن عمر، فإنَّ ظاهر ذلك الحصر، وهذا الظاهر غير مراد؛ وإن وهم فيه من وهم.
وقد أنكرت عائشة على ابن عمر روايته المطلقة: أن الشهر تسع وعشرون، قال: فذكروا ذلك لعائشة، فقالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن إنما قال: الشهر قد يكون تسعًا وعشرين.
وقد أخرج مسلم (٦) من وجه آخر عن عمر بهذا اللفظ الأخير الذي جزمت
(١) "الفتح" (١١/ ٥٦٨). (٢) في شرحه لصحيح البخاري (٦/ ١٤١ - ١٤٢). (٣) البيان للعمراني (١٠/ ٥٧٧ - ٥٧٨). (٤) مدونة الفقه المالكي وأدلته (٢/ ٣٨٢). (٥) أحمد في المسند (٢/ ٥) والبخاري رقم (١٩٠٧) ومسلم رقم (١٠٨٠)، من حديث عبد الله بن عمر، وهو الصواب. (٦) في صحيحه رقم (١١/ ١٠٨٠).