ولأحمد (١) من حديث أنس بسند صحيح، قال:"الخمر من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، والذرة - بضم المعجمة، وتخفيف الراء من الحبوب معروفة - ".
قوله:(والخمر ما خامر العقل) أي: غطاه، أو خالطه، فلم يتركه على حاله، وهو مجاز، والعقل: هو آلة التمييز، فلذلك حُرِّم ما غطاه أو غيَّره؛ لأن بذلك يزول الإِدراك الذي طلبه الله من عباده؛ ليقوموا بحقوقه.
قال الكرماني (٢): هذا تعريف بحسب اللغة، وأما بحسب العرف فهو: ما يخامر العمل من [عصير](٣) العنب خاصةٍ.
قال الحافظ (٤): وفيه نظر؛ لأنَّ عمر ليس في مقام تعريف اللغة، بل هو في مقام تعريف الحكم الشرعيِّ، فكأنه قال: الخمر الذي وقع تحريمه في لسان الشرع؛ هو: ما خامر العقل، على أن عند أهل اللغة اختلافًا في ذلك كما قدمته؛ ولو سُلِّم: أن الخمر في اللغة يختصُّ بالمتخذ من العنب؛ فالاعتبار بالحقيقة الشرعية، وقد تواترت الأحاديث على أن المسكر من المتخذ من غير العنب يسمى: خمرًا، والحقيقة الشرعية مقدمةٌ على اللغوية.
وقد ثبت في صحيح مسلم (٥) عن أبي هريرة، سمعت رسول الله ﷺ يقول:"الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة والعنبة" وقد تقدم (٦)، وقد جعل الطحاوي (٧) هذا الحديث معارضًا لحديث عمر (٨) المذكور.
وقال البيهقي: ليس المراد الحصر في الأمرين المذكورين في حديث أبي هريرة (٦)؛ لأنَّه يتخذ الخمر من غيرهما، وقد تقدم الكلام على ذلك.
(١) في المسند (٣/ ١١٢) إسناده صحيح على شرط مسلم. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٥/ ٥٥) وقال: "رجال أحمد رجال الصحيح". (٢) في شرحه لصحيح البخاري (٢٠/ ١٤١ - ١٤٢). (٣) ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب). (٤) في "الفتح" (١٠/ ٤٧). (٥) في صحيحه رقم (١٣/ ١٩٨٥). (٦) برقم (٣٦٩١) من كتابنا هذا. (٧) في "مختصر اختلاف العلماء" (٤/ ٣٧٣ - ٣٧٤). (٨) تقدم برقم (٣٦٩٥) من كتابنا هذا.