وأخذ أبو حنيفة (١) بقول عمر وابن مسعود فيما إذا اختارت نفسها فواحدة بائنة.
وقال الشافعي (٢): التخيير كناية، فإذا خير الزوج امرأته - وأراد بذلك تخييرها بين أن تطلق منه وبين أن تستمرَّ في عصمته - فاختارت نفسها وأرادت بذلك الطلاق طُلِّقت، فلو قالت: لم أرد باختيار نفسي الطلاق، صُدِّقَتْ.
وقال الخطابي (٣): يؤخذ من قول عائشة: "فاخترناه" فلم يكن ذلك طلاقًا: أنَّها لو اختارت نفسها لكانَ ذلك طلاقًا.
ووافقه القرطبي في "المفهم"(٤) فقال في الحديث: إنَّ المخيرة إذا اختارت نفسها، أن نفس الاختيار يكون طلاقًا من غير احتياج إلى نطق بلفظ يدلُّ على الطلاق، قال: وهو مقتبسٌ من مفهوم قول عائشة المذكور.
قال الحافظ (٥): لكن الظاهر من الآية أن ذلك بمجرَّده لا يكون طلاقًا، بل لا بد من إنشاء الزوج الطلاق لأنَّ فيها: ﴿فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ﴾ (٦)، أي: بعد الاختيار، ودلالة المنطوق مقدَّمةٌ على دلالة المفهوم.
واختلفوا في التخيير: هل هو بمعنى التمليك أو بمعنى التوكيل؟ وللشافعي (٧) فيه قولان: المصحح عند أصحابه أنَّه تمليك، وهو قول المالكية (٨) بشرط المبادرة منها حتى لو تراخت بمقدار ما ينقطع القبول عن الإيجاب ثم طلقت لم يقع، وفي وجه: لا يضرّ التأخير ما دام المجلس، وبه جزم ابن القاصِّ (٩) وهو الذي رجحته المالكية (١٠) والحنفية (١١) والهادوية (١٢) وهو قول الثوري والليث والأوزاعي (١٣).
(١) الاختيار (٣/ ١٧٨ - ١٧٩) والبناية في شرح الهداية (٥/ ١٢٤) وبدائع الصنائع (٣/ ١١٩). (٢) الأم (٦/ ٣٦٢). (٣) في "معالم السنن" (٢/ ٦٥٣ - ٦٥٤). (٤) المفهم (٤/ ٢٥٨). (٥) في "الفتح" (٩/ ٣٦٩). (٦) سورة الأحزاب، الآية: (٢٨). (٧) البيان للعمراني (١٠/ ٨٣) وروضة الطالبين (٨/ ٤٨). (٨) انظر: "عيون المجالس" (٣/ ١٢٣١) ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي (٢/ ٤٢٢ رقم ٩٢٦). (٩) ذكره العمراني في "البيان" (١٠/ ٨٢). (١٠) عيون المجالس (٣/ ١٢٣١). (١١) بدائع الصنائع (٣/ ١١٥) والبناية في شرح الهداية (٥/ ١٢٢ - ١٢٣). وشرح فتح القدير (٤/ ٧٠ - ٧١). (١٢) البحر الزخار (٣/ ١٦٣). (١٣) المغني (١٠/ ٣٨١) والفتح (٩/ ٣٦٩).