قوله: (اللهمّ اشهد) إنما قال ذلك لأنه كان فرضًا عليه أن يبلغ، فأشهد الله تعالى على أداء ما أوجبه عليه.
قوله: (فربّ مبلَغ) بفتح اللام: أي ربّ شخص بلغه كلامي فكان أحفظ له وأفهم لمعناه من الذي نقله له.
قال المهلب (١): فيه أنه يأتي في آخر الزمان من يكون له من الفهم والعلم ما ليس لمن تقدمه إلا أن ذلك يكون في الأقلّ لأن ربّ موضوعة للتقليل.
قال الحافظ (٢): هي في الأصل كذلك إلا أنها استعملت في التكثير بحيث غلب على الاستعمال الأوّل.
قال: لكن يؤيد أن التقليل هنا مراد أنه وقع في رواية للبخاري (٣) بلفظ: "عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه".
وقوله: (أوعى من سامع)، نعت لمبلغ، والذي يتعلق به ربّ محذوف، وتقديره يوجد أو يكون، ويجوز على مذهب الكوفيين في (أن) ربّ اسم أن تكون هي مبتدأ، وأوعى: الخبر، فلا حذف ولا تقدير.
قوله: (فلا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض).
قال النووي في شرح مسلم (٤): في معناه سبعةُ أقوالٍ:
(أحدُها): أن ذلك كفر في حقّ المستحِلِّ بغير حقّ.
(والثاني): المراد كفرُ النعمة وحقّ الإسلام.
(والثالثُ): أنه يَقْرُبُ من الكفر ويؤدّي إليه.
(والرابع): أنه فِعلٌ كفعل الكفَّار.
(والخامس): المرادُ حقيقةَ الكفر، ومعناه لا تكفرُوا بل دومُوا مسلمينَ.
(والسَّادسُ): حكاهُ الخطابي (٥) وغيره أن المراد بالكفار: المتكفرون بالسلاح، يقال: تكفَّر الرجل بسلاحه إذا لبسَهُ.
(١) حكاه عنه الحافظ في "الفتح" (٣/ ٥٧٦).
(٢) في "الفتح" (٣/ ٥٧٦).
(٣) في صحيحه رقم (٦٧).
(٤) في معالم السنن (٥/ ٦٣ - مع السنن).
(٥) (٢/ ٥٥ - ٥٦).