حديث ابن عباس أنهم قالوا: يوم حرام، وقالوا عند سؤاله عن الشهر: شهر حرام، وعند سؤاله عن البلد: بلد حرام.
وعند البخاري (١) أيضًا من حديث ابن عمر بنحو حديث أبي بكرة إلا أنه ليس فيه قوله: "فسكت في الثلاثة المواضع".
وقد جمع بين حديث ابن عباس وحديث الباب ونحوه بتعدّد الواقعة.
قال في الفتح (٢): وليس بشيء لأن الخطبة يوم النحر إنما تشرع مرّة واحدة، وقد قال في كل منهما: إن ذلك كان يوم النحر.
وقيل في الجمع بينهما: إن بعضهم بادر بالجواب، وبعضهم سكت.
وقيل في الجمع إنهم فوّضوا الأمر أوّلًا كلهم بقولهم الله ورسوله أعلم؛ فلما سكت أجابه بعضهم دون بعض.
وقيل: وقع السؤال في الوقت الواحد مرّتين بلفظين، فلما كان في حديث أبي بكرة فخامة ليست في حديث ابن عباس لقوله فيه:"أتدرون؟ "، سكتوا عن الجواب بخلاف حديث ابن عباس لخلّوه عن ذلك، أشار إلى هذا الكرماني (٣).
وقيل: في حديث ابن عباس اختصار بينته رواية أبي بكرة، فكأنه أطلق قولهم قالوا:"يوم حرام"، باعتبار أنهم قرّروا ذلك حيث قالوا: بلى.
قال الحافظ (٤): وهذا جمع حسن.
والحكمة في سؤاله ﷺ عن الثلاثة وسكوته بعد كل سؤال منها ما قاله القرطبي (٥) من أن ذلك كان لاستحضار فهومهم، وليقبلوا عليه بكليتهم ويستشعروا عظمة ما يخبرهم عنه، ولذلك قال بعد هذا:"فإن دماءكم، إلخ" مبالغة في بيان تحريم هذه الأشياء اهـ.
ومناط التشبيه في قوله:"كحرمة يومكم هذا"، وما بعده ظهوره عند السامعين لأن تحريم البلد والشهر واليوم كان ثابتًا في نفوسهم مقرّرًا عندهم،
(١) في صحيحه رقم (١٧٤٢). (٢) (٣/ ٥٧٥). (٣) في شرحه لصحيح البخاري (٨/ ٢٠٣). (٤) في "الفتح" (٣/ ٥٧٥). (٥) في المفهم (٣/ ٣٣٢ - ٣٣٣).