قوله:(من زار قومًا فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم)، فيه أن المزور أحقّ بالإِمامة من الزائر وإن كان أعلم أو أقرأ من المزور.
قال الترمذي (١): "والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبيّ ﷺ وغيرهم، قالوا: صاحب المنزل أحقّ بالإِمامة من الزائر.
وقال بعض أهل العلم: إذا أذن له فلا بأس أن يصلي به.
وقال إسحاق: لا يصلي أحد بصاحب المنزل وإن أذن له، قال: وكذلك في المسجد إذا زارهم يقول: ليصلّ بهم رجل منهم" (٢)، انتهى.
وقد حكى المصنف (٣) عن أكثر أهل العلم: أنه لا بأس بإمامة الزائر بإذن ربّ المكان، واستدلّ بما ذكره.
وقد عرفت مما سلف أن أبا داود (٤) زاد في حديث أبي مسعود: "ولا يؤمّ الرجل في بيته" فيصلح حينئذٍ قوله في آخر حديثه: "إلا بإذنه" لتقييد جميع الجمل المذكورة فيه التي من جملتها قوله: "ولا يؤمّ الرجل في بيته" على ما ذهب إليه جماعة من أئمة الأصول (٥)، وقال به الشافعي
(١) في السنن (٢/ ١٩٠). (٢) انظر: "المغني" لابن قدامة (٣/ ٤٢). (٣) ابن تيمية الجد في "المنتقى" (١/ ٦٢٣). (٤) في سننه رقم (٥٨٢) وقد تقدم. (٥) قال الشوكاني ﵀ في "إرشاد الفحول" (ص ٥٠٣) بتحقيقي: "المسألة العاشرة: اختلفوا في الاستثناء الوارد بعد جُمل متعاطفة هل يعود إلى الجميع أو إلى الأخير كقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ ﴿إِلَّا مَن تَابَ﴾ [الفرقان: ٦٨ - ٧٠]. فذهب الشافعي وأصحابه إلى أنه يعود إلى جميعها ما لم يُخصُّه دليلٌ، وقد نسبَ ابنُ القصّار هذا المذهب إلى مالك. قال الزركشي: - في البحر المحيط (٣/ ٣٠٨) -: وهو الظاهر من مذاهب أصحاب مالك، ونسبَه صاحب المصادر إلى القاضي عبد الجبار، وحكاه القاضي أبو بكر عن الحنابلة، قال: ونقلوه عن نصّ أحمد فإنه قال في قوله ﷺ: "لا يَؤُمنَّ الرجلَ في سلطانه ولا يقعُد على تكرِمته إلا بذنه" [أخرجه مسلم رقم (٦٧٣)] قال: أرجو أن يكون الاستثناء على كلّه. وذهب أبو حنيفة وجمهور أصحابه إلى عَوده إلى الجملة الأخيرة إلا أن يقوم الدليلُ على التعميم، واختاره الفخر الرازي - المحصول (٣/ ٤٣) - وقال الأصفهانيُّ في القواعد: "إنه الأشبه ونقله صاحبُ المعتمد - (١/ ٢٤٥ - ٢٤٦) عن الظاهرية … " اهـ.