قال: وإنما تأولنا حديث الركعتين لأن الروايات المشهورة في الصحيحين مصرحة بأن آخر صلاته ﷺ في الليل كانت وترًا.
وفي الصحيحين أحاديث كثيرة مشهورة بالأمر بجعل آخر صلاة الليل وترًا، فكيف يظن به ﷺ مع هذه الأحاديث وأشباهها أنه يداوم على ركعتين بعد الوتر ويجعلهما آخر صلاة الليل.
قال: وأما ما أشار إليه القاضي عياض من ترجيح الأحاديث المشهورة ورد رواية الركعتين فليس بصواب؛ لأن الأحاديث إذا صحت وأمكن الجمع بينها تعين، وقد جمعنا بينها ولله الحمد. اهـ.
وأقول: أما الأحاديث التي فيها الأمر للأمة بأن يجعلوا آخر صلاة الليل وترًا فلا معارضة بينها وبين فعله ﷺ للركعتين بعد الوتر، لما تقرر في الأصول أن فعله ﷺ لا يعارض القول الخاص بالأمة (١)، فلا معنى للاستنكار.
وأما أحاديث أنه كان آخر صلاته ﷺ من الليل وترًا فليس فيها ما يدل على الدوام لما قرره من عدم دلالة لفظ كان عليه.
فطريق الجمع باعتباره ﷺ أن يقال: إنه كان يصلي الركعتين بعد الوتر تارة ويدعهما تارة.
وأما باعتبار الأمة فغير محتاج إلى الجمع لما عرفت من أن الأوامر بجعل آخر صلاة الليل وترًا مختصة بهم، وأن فعله ﷺ لا يعارض ذلك.
قال ابن القيم في الهدي (٢): "وقد أشكل هذا - يعني حديث الركعتين بعد الوتر - على كثير من الناس فظنوه معارضًا لقوله ﷺ: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا" (٣).
(١) لأن القول والفعل لم يتواردا على محلٍ واحد. انظر: "إرشاد الفحول" (ص ١٧٠) بتحقيقي، والإحكام للآمدي (١/ ٢٤٨). (٢) في زاد المعاد (١/ ٣٢٢ - ٣٢٣). (٣) أخرجه أحمد (٢/ ١١٩، ١٣٥، ١٤٣، ١٥٠) والبخاري رقم (٩٩٨) ومسلم رقم (١٥١/ ٧٥١). وسيأتي برقم (٤٤/ ٩٣٥) من كتابنا هذا.