ولورود الأخبار الصحيحة في تأكيد أمرها فخصت بالمحافظة عليها لكونها معرّضة للضياع بخلاف غيرها، وهذه الحجة ليست بشيء. ولكن الأولى الاحتجاج لهم بما رواه النسائي (١) عن ابن عباس قال: "أدْلَجَ رسولُ الله ﷺ ثم عَرَّسَ فلم يستيقظ حتى طلعتِ الشمسُ أو بعضُها فلم يصلِّ حتى ارتفعتِ الشمسُ فصلَّى وهي صلاةُ الوسطى، ويمكن الجواب عن ذلك من وجهين:
(الأول): أن ما روي من قوله في هذا الخبر: "وهي صلاة الوسطى"، يحتمل أن يكون من المدرج (٢)، وليس من قول ابن عباس، ويحتمل أن يكون من قوله، وقد أخرج عنه أبو نعيم أنّه قال: "الصلاة الوسطى صلاة العصر" (٣)، وهذا
= و"طرح التثريب" (٢/ ١٧٥)، و"مقدمات ابن رشد" (١/ ٩٩)، و"الذخيرة" (١/ ٤١٧). (١) في "سننه" (١/ ٢٩٨ رقم ٦٢٥) وهو حديث منكر بزيادة: "وهي صلاة الوسطى". (٢) المدرج هو: أن تزاد لفظة في متن الحديث من كلام الراوي، فيحسبها من يسمعها منه مرفوعة في الحديث، فيرويها كذلك .. انظر: "السعي الحثيث إلى شرح اختصار علوم الحديث" (ص ٢٥١ - ٢٥٨). (٣) أخرجه عبد الرزاق (١/ ٥٧٩)، وابن أبي شيبة (٢/ ٥٠٤)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (١/ ٤٦١)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (١/ ١٧٠) عن أبي رجاء العطاردي قال: "صلّيت مع ابن عباس صلاة الغداة في مسجد البصرة فقنت قبل الركوع، وقال: هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا الله فيها أن نقوم قانتين". قلت: وأجاب عن هذا الاستدلال الطبري ﵀، في "جامع البيان" (٢/ ج ٢/ ٥٦٥) فقال: "لا دليل في قوله تعالى: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: ٢٣٨] على أنها الصبح، إذ القنوت الطاعة، فكل مصلِّ لله تعالى قانت سواء كان في الصبح أو بقية الصلوات". انظر: الجوهر النقي (١/ ٤٦٢). ويؤيّد ما قاله الطبري من أن القنوت لا يختص بصلاة الصبح، ما أخرجاه في الصحيحين البخاري رقم (٧٩٧) ومسلم رقم (٦٧٦) عن أبي هريرة ﵁، أنّه قال: "والله لأقربن بكم صلاة رسول الله ﷺ، فكان أبو هريرة يقنت في الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح ويدعو للمؤمنين ويلعن الكفار". وانظر: "الجامع لأحكام القرآن" (٣/ ٢١١)، و"شرح السنة" (٢/ ٢٣٥). قلت: ومن أدلّتهم على أنها الصبح: ما أخرجه مسلم رقم (٩٢٩)، ومالك في "الموطأ" (١/ ١٣٨ - ١٣٩)، وأبو داود رقم (٤١٠)، والترمذي رقم (٢٩٨٢)، والنسائي (١/ ٢٣٦ رقم ٤٧٢) عن أبي يونس مولى عائشة ﵄ قال: "أمرتني عائشة ﵂ أن أكتُبَ لها مصحفًا، =