وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (١٧)} [الأعراف: ١٢: ١٧]، وغير ذلك من الآيات.
قال ابن كثير: وقوله: {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} تنفير عنه وتحذير منه؛ كما قال: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (٦)} [فاطر: ٦]، وقال تعالى:{وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}[الكهف: ٥٠](١).
وقال الطبرى: يعني: أنه قد أبان لكم عداوته بِإِبائه عن السجود لأبيكم، وغروره إياه؛ حتى أخرجه من الجنة، واستزله بالخطيئة، وأكل من الشجرة؛ يقول تعالى ذكره: فلا تنتصحوه أيها الناس مع إبانته لكم العداوة ودعوا ما يأمركم به والتزموا طاعتي فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه مما أحللته لكم وحرمته عليكم (٢).
عن أبو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:"مَا مِنْ بَني آدَمَ مَوْلُودٌ إِلَّا يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ غَيْرَ مَرْيَمَ وَابْنِهَا".
ثُمَّ يَقُولُ أَبو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}(٣).
وعَنْ سَبْرَةَ بْنِ أَبِي فَاكِهٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: تُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبائِكَ وَآباءِ أَبِيكَ، فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بطَرِيقِ الهِجْرَةِ، فَقَالَ: تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ؛ وَإِنَّما مَثَلُ المُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ، فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الجِهَادِ، فَقَالَ: تُجَاهِدُ فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالمالِ؛ فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ فَتُنْكَحُ المرْأَةُ وَيُقْسَمُ المالُ، فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقًّا عَلَى الله عزَّ وجل أَنْ يُدْخِلَهُ الجنّةَ، وَمَنْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى الله
(١) تفسير ابن كثير (١/ ٢٨٩). (٢) تفسير الطبري (٢/ ٧٦). (٣) البخاري (٣٢٤٨)، مسلم (٦٢٨٢).