[الوجه الثاني: القراءات مصدرها التلقي والسماع وليس الاجتهاد والتشهي]
قال ابن حجر: وتتمة ذلك أن يقال: إن الإباحة المذكورة لم تقع بالتشهي، أي إن كل أحد منهم يغير الكلمة بمرادفها في لغته؛ بل المراعى في ذلك السماع من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويشير إلى ذلك قول كلٍ من: عمر وهشام في حديث الباب أقرأني النبي - صلى الله عليه وسلم - (٢).
قلنا يشير إلى حديث عمر بن الخطاب قال: سَمِعْتُ هِشامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَمَعْتُ لِقرَاءَتِه، فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -! ، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلَاةِ، فتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ، فَلَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ. فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟ قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. فَقُلْتُ: كَذَبْتَ. فَإِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ. فَانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْسِلْهُ. اقْرَأْ يَا هِشَامُ. فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ. ثُمَّ قَالَ: اقْرَأْ يَا عُمَرُ. فَقَرَأْتُ الْقِرَاءَةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ. إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ". (٣)
فيؤخذ التلقي والمشافهة والسماع من قول عمر لما سمع هشامًا يقرأ:(فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -). ومن قول هشام لعمر:(أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) هكذا إلى آخر الحديث،
(١) رواه مسلم (٨٢٠). (٢) فتح الباري (٨/ ٦٤٤). (٣) رواه البخاري (٤٩٩٢)، ومسلم (٨١٨).