وقد اطردت سنته الكونية سبحانه في عباده بأن من مكر بالباطل مكر به، ومن احتال احتيل عليه، ومن خادع غيره خدع قال الله تعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}(النساء: ١٤٢)، وقال تعالى:{وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}(فاطر: ٤٣)، فلا تجد ماكرًا إلا وهو ممكور به، ولا مخادعًا إلا وهو مخدوع، ولا محتالا إلا وهو محتال عليه. (١)
[الوجه الثالث: أعلى مراتب الحسن.]
وقد دل على هذا نسبة الله سبحانه ذلك الكيد إلى نفسه بقوله:{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}[يوسف: ٧٦] وهو سبحانه ينسب إلى نفسه أحسن هذه المعاني، وما هو منها حكمة وحق وصواب وجزاء للمسيء، وذلك غاية العدل والحق كقوله: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (١٥) وَأَكِيدُ كَيْدًا} (الطارق: ١٥، ١٦). وقوله:{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ}(آل عمران: ٥٤) وقوله: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}(البقرة: ١٥) وقوله: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}(النساء: ١٤٢) وقوله: " {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}(الأعراف: ١٨٣).
فهذا منه سبحانه في أعلى مراتب الحسن، وإن كان من العبد قبيحًا سيئًا؛ لأنه ظالم فيه؛ وموقعه بمن لا يستحقه؛ والرب تعالى عادل فيه موقعه بأهله؛ ومن يستحقه سواء قيل: إنه مجاز للمشاكلة الصورية أو للمقابلة، أو سماه كذلك مشاكلة لاسم ما فعلوه، أو قيل: إنه حقيقة وإن مسمى هذه الأفعال ينقسم إلى مذموم ومحمود واللفظ حقيقة في هذا وهذا. (٢)
[الوجه الرابع: وماذا في كتبهم عن صفة الخداع؟]
جاء في سفر أشعيا: هكَذَا تُكَلِّمُونَ حَزَقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا قَائِلِينَ: لَا يَخْدَعْكَ إِلهُكَ الَّذِي أَنْتَ مُتَوَكِّلٌ عَلَيْهِ، قَائِلًا: لَا تُدْفَعُ أُورُشَلِيمُ إِلَى يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ. (أشعيا ٣٧: ١٠).
* * *
(١) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان لابن قيم الجوزية ١/ ٣٦٠. (٢) المصدر السابق ٢/ ١١٤.