الوجه الثاني: قرأ الكسائي "هَلْ تسْتَطِيع رَبُّكَ" بالتاء فيكون المعنى هل تستطيع أن تسأل ربك؟ فينفي الشك.
قال الطبري: واختلفت القراء في قراءة قوله: {يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} فقرأ ذلك جماعة من الصحابة والتابعين {هل تَسْتَطِيعُ} بالتاء {رَبُّكَ} بالنصب.
قلت: وهي قراءة الكسائي؛ وهي صحيحة متواترة من القراءات العشر الصحيحة.
بمعنى: هل تستطيع أن تسأل ربك؟ وهل تستطيع أن تدعو ربك، أو هل تستطيع وترى أن تدعوه؟ وقالوا: لم يكن الحواريون شاكين أن الله تعالى ذكره قادر أن ينزل عليهم ذلك. إنما قالوا لعيسى - عليه السلام -: هل تستطيع أنت ذلك؟ . (١)
قال ابن أبي مريم:{هل تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ} بالتاء والنصب من ربك، قرأها الكسائي وحده، ووجه ذلك أن المراد هل تستطيع سؤال ربك؟ فحذف المضاف، ومعنى سؤالهم عن استطاعته مسألة الله أنه محمول على الاحتجاج منهم على عيسى - عليه السلام - أي أنك مستطيع فما يمنعك؟ كما تقول لصاحبك هل تستطيع أن تذهب عني فإني مشغول. أي اذهب فإنك غير عاجز عن ذلك، فكذلك قولهم هل تستطيع سؤال ربك؟ أي: إنك مستطيع فاسأل. (٢)
[الوجه الثالث: قيل إن سؤالهم كان في ابتداء أمرهم قبل استحكام معرفتهم بالله - عز وجل - فيكون المعنى هل يقدر ربك؟]
قال القرطبي: وقيل المعنى: هل يقدر ربك؟ وكان هذا السؤال في ابتداء أمرهم قبل استحكام معرفتهم بالله - عز وجل -، ولهذا قال عيسى في الجواب عند غلطهم وتجويزهم على الله ما لا يجوز:{اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} أي لا تشكوا في قدرة الله - تعالى -.
قلت - أي القرطبي -: وهذا فيه نظر؛ لأن الحواريين خلصان الأنبياء ودخلاؤهم وأنصارهم كما قال:{مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ}[الصف: ١٤]، وقال
(١) تفسير الطبري (٧/ ١٢٩)، والقرطبي (٦/ ٣٤٢). (٢) الموضح في وجوه القراءات وعللها لابن أبي مريم (١/ ٤٥٥).