سيما أن القرآن قد اكتفى منهم في معرض التحدي بأن يأتوا بسورة من مثل أقصر سورة أي بمثل ثلاث آيات قصار من بين تلك الآلاف المؤلفة التي اشتمل عليها الكتاب العزيز، وأنت خبير بأن هؤلاء لم تكن لتعييهم تلك المساجلة وهم فرسان ذلك الميدان، وأئمة الفصاحة والبيان لو كان الأمر من صناعة محمد وإنشائه كما يزعم أولئك الخراصون، فما بالك وقد خرست ألسنتهم وخشعت أصوات الأجيال كلها من بعدهم، ومعلوم أن النابغة الفذ في أي عصر من العصور يستطيع أقرانه بيسر وسهولة أن يحاكوه مجتمعين ومنفردين في الشيء القليل على فرض أنهم لا يستطيعون معارضته في الجميع أو الشيء الكثير. (١)
[الوجه الثالث: آيات العتاب.]
ومعنى هذا أن القرآن سجل في كثير من آياته بعض الوقائع التي اجتهد فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - ووُجِّه إليه بسببها عتابًا، نشعر بلطفه تارة وبعنفه أخرى. ولا ريب أن العقل المنصف يحكم جازمًا بأن هذا القرآن كلام الله وحده؛ ولو كان كلام محمد ما سجل على نفسه هذه المواقف وهذا العتاب يتلوهما الناس؛ بل ويتقربون إلى الله بتلاوتهما حتى يوم المآب. (٢)
لا أدل على أن الوحي القرآني خارج عن الذات المحمدية من مخالفة القرآن في عدة مواطن لاجتهاده الشخصي ولطبعه الخاص، ومعاتبته على بعض اجتهاداته: