كلمة {وَأَرْجُلَكُمْ} فيها قراءتان إحداهما: بنصب اللام (١) عطفًا على {وُجُوهَكُمْ}، والثانية بجرها (٢) عطفًا على {بِرُءُوسِكُمْ}، والأولى تقتضي وجوب غسل الرجلين، والثانية تقتضي وجوب مسحهما، والقراءتان بمنزلة دليلين، ومع اختلاف مقتضى القراءتين فإنه لا تعارض لاختلاف الجهة -الحال- إذ إن قراءة الجر المقتضية مسح الرجلين؛ محمولة على حال استتار القدمين بالخفين، وقراءة النصب المقتضية غسل الرجلين؛ محمولة على حال ظهور القدمين.
الشرط الثالث: اتحاد زمن الحكمين، فإن اختلف زمن الحكمين فلا تعارض، وإن اتحد المحل محل الحكم.
ومثال ذلك: الأمر باعتزال الزوجة في المحيض، وإباحة جماعها بعده -الطُهْر-، فمحل الحكم واحد وهو الزوجة، لكن اختلف زمن الحكمين، فلا تعارض إذا بين قوله تعالى:{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}، وبين قوله:{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ}[البقرة: ٢٢٢]. (٣)
[الوجه الرابع: أقسام التعارض.]
من خلال ما تقدم من تعريف التعارض، وأركانه، وشروطه؛ يمكن تقسيم التعارض إلى قسمين: التعارض الحقيقي، والتعارض الظاهري.
وهذا ما نفصله في المبحثين الآتيين:
[المبحث الأول: التعارض الحقيقي.]
وهو التضاد التام بين حجتين: دلالةً، وثبوتًا، وعددًا، ومتحدتين: زمانا، ومحلًا، وهو المراد من تعريف التعارض الذي مَرَّ سابقًا وهو: تقابل الدليلين على وجه يمنع كل واحد منهما مقتضى صاحبه، أي: تقابل الدليلين على سبيل الممانعة.
(١) قراءة نافع، وابن عامر، والكسائي، ويعقوب، وحفص: النشر (٢/ ٢٥٤). (٢) قراءة الباقين: النشر (٢/ ٢٥٤). (٣) أصول السرخسي (٢/ ١٤، ١٥)، البحر المحيط (٦/ ١١٠)، إرشاد الفحول (٦٠٥).