يقول تعالى:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} أي: لا تكرهوا أحدًا على الدخول في دين الإِسلام، فإنه بيِّن واضح جلي دلائله وبراهينه لا يحتاج إلى أن يكره أحدًا على الدخول فيه، بل من هداه اللَّه للإسلام وشرح صدره، ونور بصيرته دخل فيه على بينة، ومن أعمى اللَّه قلبه وختم على سمعه وبصره، فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهًا مقسورًا. (١)
لما بين اللَّه تعالى دلائل التوحيد بيانًا شافيًا قاطعًا للعذر، أخبر بعد ذلك أنه لم يبق بعد إيضاح هذه الدلائل للكافر عذر في الإقامة على الكفر، إلا أن يقسر على الإيمان ويجبر عليه، وذلك مما لا يجوز في دار الدنيا التي هي دار الابتلاء، إذ في القهر والإكراه على الدين بطلان معنى الابتلاء والامتحان، ونظير هذه الآية قوله تعالى:{فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}(الكهف: ٢٩)، وقوله تعالى:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}(يونس: ٩٩). وقوله تعالى: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} (الشعراء: ٣ - ٤)(٢).
(١) تفسير ابن كثير (البقرة: ٢٥٦). (٢) تفسير القاسمي (البقرة: ٢٥٦).