ويقُلن: شيبٌ قد علاك ... وقد كبرتَ، فقلتُ: إنَّهْ (١)
ورُدَّ بأنَّا لا نسلم أن الهاء للسكت؛ بل هي ضميرٌ منصوب بها والخبر محذوف؛ أي: إنه كذلك، والجيد الاستدلال بقول ابن الزُّبير -رضي اللَّه عنه- لمن قال له: لعن اللَّه ناقة حملتني إليك: إنّ وراكبَها؛ أي: نعم، ولعن راكبها؛ إذْ لا يجوز حذف الاسم والخبر جميعًا، وعن المبرد أنه حمل على ذلك قراءة من قرأ (إنّ هذان لساحران). (٢)
[الوجه الثالث: توجيه مجيء (هذان) بعد (إن) في الآية الكريمة.]
١ - إذا كانت (إن) مخففة غير عاملة فـ (هذان) مبتدأ مرفوع بالألف لأنه مثنى، و (لساحران) خبر المبتدأ، واللام داخلة على الخبر، أو داخلة على مبتدأ (ساحران) خبره أي: لهما ساحران، والجملة خبر، واللام للفرق بين إن النافية وإن المخففة من الثقيلة. (٣)
قال سيبويه: واعلم أنهم يقولون: إنْ زيدٌ لذاهبٌ، وإنْ عمرٌو لخيرٌ منك، لما خفّفها جعلها بمنزلة لكنْ حين خفّفها، وألزمها اللام لئلا تلتبس بإن التي هي بمنزلة ما التي تنفي بها، ومثل ذلك:"إن كلُّ نفسٍ لما عليها حافظٌ". (٤)
٢ - إذا كانت (إن) مشددة عاملة فـ (هذان) اسمها:
- وهو على لغة بلحارث بن كعب يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف، وقيل: إن الآية على هذه اللغة قال الشاعر:
إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها (٥)
(١) القائل هو ابن قيس الرقيات. خزانة الأدب ٤/ ٤٨٥، معاني الحروف للرماني ١١٠. (٢) واعتُرض بأمرين: أحدهما: أن مجيء إن بمعنى: نعم شاذ، حتى قيل: إنه لم يثبت. والثاني: أن اللام لا تدخل في خبر المبتدأ. وأجيب عن هذا: بأنها لام زائدة وليست للابتداء، أو بأنها داخلة على مبتدأ محذوف؛ أي: لهما ساحران. انظر: مغني اللبيب لابن هشام ١/ ٢٣٦. (٣) على رأي البصريين، والكوفيون يزعمون أن إن نافية واللام بمعنى: إلا. البحر المحيط لأبي حيان ٦/ ٢٣٨. (٤) الكتاب لسيبويه ٢/ ١٣٩. (٥) كافية ابن الحاجب بشرح رضي الدين ٣/ ٤١٥.