نص الشبهة: وضع الفعل المضارع بدل الماضي، فقد جاء في سورة آل عمران الآية ٥٩:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}، وكان يجب أن يراعي المقام الذي يتحدث عن الماضي لا المضارع؛ فيقول: ثم قال له كن فكان.
والجواب على ذلك من وجوه:
الوجه الأول: الكلام وإن كان بصيغة المضارع فهو حكاية حال ماضية. (١)
قال الزمخشري:(فيكون) حكاية حال ماضية. (٢)
وقال الرازي: واعلم يا محمد، أن ما قال له ربك:(كُنَّ) فإنه يكون لا محالة. (٣)
(ثم قال له كن فيكون) أي: فكان، والمستقبل يكون في موضع الماضي إذا عرف المعنى. (٤)
إنهم يعبرون عن الماضي والآتي كما يعبرون عن الشيء الحاضر قصْدًا لإحضاره في الذهن حتى كأنه مُشاهد حالة الإخبار، نحو:{وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}(النحل: ١٢٤)؛ لأن لام الابتداء للحال. ونحو:{هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ}(القصص: ١٥) إذ ليس المراد تقريب الرجلين من النبي عليه الصلاة والسلام، كما تقول: هذا كتابك فخذه، وإنما الإشارة كانت إليهما في ذلك الوقت هكذا فحكيت. ومثله:{وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا}(فاطر: ٩) قصد بقوله سبحانه وتعالى: (فتُثير) - إحضار تلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الباهرة من إثارة السحاب؛ تبدو أولًا قِطعًا، ثم تتضامُّ متقلبة بين أطوار حتى تصير
(١) الحكاية: عبارة عن نقل كلمة من موضع إلى موضع آخر بلا تغيير حركة ولا تبديل صيغة، وقيل: الحكاية: إتيان اللفظ على ما كان عليه من قبل؛ انظر التعريفات للجرجاني ١٢٢. فالحكاية لغةً: المماثلة، واصطلاحًا: إيراد اللفظ المسموع على هيئته من غير تغيير؛ كمن زيدًا؟ إذا قيل: رأيت زيدًا، أو إيراد صفته نحو: أيًّا؟ لمن قال: رأيت زيدًا؛ انظر: حاشية الصبان على شرح الأشموني ٤/ ١٢٤. (٢) الكشاف ١/ ٣٦٨، وفتح القدير للشوكاني ١/ ٥١٦. (٣) تفسير الرازي ٨/ ٧٦. (٤) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٤/ ١١٠.