قال ابن قدامة: فإن قيل: فيجوز أن يكونوا ظفروا بنصٍ كان خفيًا هو أقوى من النص الأول أو ناسخ له. قلنا: فيضاف النسخ إلى النص الذي أجمعوا عليه لا إلى الإجماع. (١)
ثانيًا: النسخ بالقياس
قال الخطيب البغدادي: ولا يحوز نسخ القياس؛ لأن القياس تابع للأصول، والأصول ثابتة فلا يجوز نسخ تابعها. (٢)
[المبحث الحادي عشر: الفرق بين النسخ والبداء]
أولًا: تعريف البداء. (٣)
البَداء: بفتح الباء يطلق في لغة العرب على معنيين متقاربين:
أحدهما: الظهور بعد الخفاء، ومنه قوله الله تعالى {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}[الزمر: ٤٧] وقال تعالى {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٣٣)} [الجاثية: ٣٣] ومنه قولهم: بدا لنا سور المدينة.
والآخر: نشأة رأي جديد لم يك موجودًا، قال في القاموس: وبَدَا له في الأمرِ بَدْوًا وبَدَاءٌ وبداةً: نَشَأَ له فيه رَأْيٌ. ومنه قول الله تعالى {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥)} [يوسف: ٣٥] أي نشأ لهم في يوسف رأي جديد هو أن يسجن سجنًا وقتيًا بدليل قوله: ليسجننه حتى حين (٤).
ثانيًا: الفرق بين النسخ والبداء.
(١) روضة الناظر (١/ ٢٦٦)، وانظر إرشاد الفحول (١٩٣)، معالم أصول الفقه (٢٤٨). (٢) الفقيه والمتفقه (١/ ٢٥٦)، شرح الكوكب المنير (٣/ ٥٧١) وما بعدها، إرشاد الفحول (١٩٣). (٣) البَدائي: بفتح الباء الموحدة والدال المهملة وفي آخرها الياء آخر الحروف، هذه النسبة إلى البدائية وهم جماعة من غلاة الروافض وهم الذين أجازوا البداء على الله - عز وجل -، وزعموا أنه يريد الشيء ثم يبدو له، وأول ظهور هذا القول من جهة المختار بن أبي عبيد الثقفي الذي غلب على الكوفة وأعمالها، وقتل قتلة الحسين - رضي الله عنه -، وقيل: إن المختار أخذ هذا القول عن مولى لعلي - رضي الله عنه - يقال له كيسان، وفي إجاز البداء على الله تعالى إجازة الندم عليه، وهذا كفر. الأنساب للسمعاني (١/ ٢٩٥)، الملل والنحل للشهرستاني (١/ ١٤٦). (٤) النهاية في غريب الأثر (١/ ٢٧١)، التعريفات (٦٢)، الإحكام للآمدي (٣/ ١٠٢).