قال الشيخ محمد رشيد رضا: قال الراغب: "الوجل" استشعار الخوف يعني ما يجعل القلب يشعر به بالفعل وعبر غيره عنه بالفزع والخوف. (١)
قال القنوجي:"وجلتا" أي فزعت وخضعت وخافت ورقت قلوبهم لذكر الله استعظامًا له وتهيبٌ من جلاله، والوجل: الخوف والفزع ويقال بإثبات الواو في المضارع، والمراد أن حصول الخوف من الله والفزع منه عند ذكره هو شأن المؤمنين الكاملي الإيمان المخلصين لله (٢).
[الوجه الثاني: جمع الله بين المعنيين في آية واحدة ليتضح المراد]
قال ابن كثير: هذه صفة الأبرار عند سماع كلام الجبار المهيمن العزيز الغفار لما يفهمون منه من الوعد والوعيد والتخويف والتهديد تقشعر منه جلودهم من الخشية والخوف: {تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} لما يرجون ويؤملون من رحمته ولطفه فهم مخالفون لغيرهم من الكفار من وجوه:
أحدها: أن سماع هؤلاء هو تلاوة الآيات، وسماع أولئك نغمات الأبيات من أصوات - القينات - أي المغنيات. . .
الثاني: أنهم إذا تليت عليهم آيات الرحمن خروا سجدًّا وبكيا بأدب وخشية ورجاء ومحبة وفهم وعلم كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢)} [الأنفال: ٢]، وقال: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (٧٣)} [الفرقان: ٧٣]؛ أي لم يكونوا عند سماعها متشاغلين لاهين عنها، بل مصغين إليه فاهمين بصيرين بمعانيها، فلهذا إنما يعملون بها ويسجدون عندها عن بصيرة لا عن جهل ومتابعة لغيرهم.
(١) تفسير المنار (٩/ ٥٨٩). (٢) فتح البيان في مقاصد القرآن (٥/ ١٢٩).