روى الطبري بسنده عن ابن عباس قال: إن المشركين كانوا يطوفون بالبيت يقولون: لبيك لا شريك لك لبيك، فيقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: قد قد، فيقولون: لا شريك لك إلا شريكٌ هو لك تملكه، وما ملك، ويقولون: غفرانك غفرانك، فأنزل الله:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}، فقال ابن عباس: كان فيهم أمانان نبي الله والاستغفار، قال: فذهب النبي وبقى الاستغفار {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}، فهذا عذاب الآخرة قال: وذاك عذاب الدنيا (١).
قال الشنقيطي: وعلى هذا القول فعمل الكافر ينفعه في الدنيا، كما فسر به جماعة قوله تعالى:{وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} أي: أثابه من عمله الطيب في الدنيا (٢).
الوجه الرابع: أن معنى {وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} أي: يسلمون.
قال الشنقيطي: فيكون المعنى أي: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ} وقد سبق في علمه أن منهم من يسلم ويستغفر الله من كفره، وعلى هذا القول فقوله:{وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} في الذين سبقت لهم الشقاوة لأبي جهل وأصحابه الذين عذبوا بالقتل يوم بدر (٣).
وقد ذكره الطبري بإسناده عن عكرمة: قال سألوا العذاب فقال: لم يكن ليعذبهم وأنت فيهم، ولم يكن ليعذبهم وهم يدخلون في الإسلام (٤).
وبإسناده أيضًا عن مجاهد قوله:{وَأَنْتَ فِيهِمْ} قال: بين أظهرهم، وقوله:{وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} قال يسلمون. (٥)
الوجه الخامس: قيل: إن العذاب الأول غير العذاب الثاني.
(١) رواه الطبري بإسناده في تفسيره (٦/ ٢٣٥). (٢) دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب (١٠٦). (٣) المصدر السابق (١٠٧). (٤) أورده الطبري في تفسيره (٦/ ٢٣٦)، وإسناده صحيح. (٥) تفسير الطبري (٦/ ٢٣٧).