الوجه الثاني: أن الالتفات وجه بلاغي لا اضطراب فيه وعود الضمير على مذكورين؛ أهو يرجع إلى اللَّه تعالى أم يرجع إلى الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ هذا من أسلوب اللف والنشر.
وهذا الأسلوب من أعظم أبواب المحسنات البلاغية في علم البديع.
فاللف والنشر: هو ذكر متعدد على التفصيل أو الإجمال ثم ذكر ما لكلٍ من غير تعيين ثقةً بأن السامع يرده إليه نحو قوله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ}. (٢)
والقاعدة: عود الضمير إلى الأقرب، ولكن قد يعود إلى غيره كقوله تعالى:{وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} فالضمير في التعزير والتوقير راجع إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفي التسبيح عائد إلى اللَّه تعالى، وهو متقدم على ذكر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فعاد الضمير على غير الأقرب. (٣)
وعن قتادة في قوله تعالى:{وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} قال: أي: يعظموه.
وقال: وفي بعض الحروف: وتسبحوا اللَّه بكرةً وعشيًا. (٤)
وقال الجمهور:(تعزروه وتوقروه) هما للنبي -عليه السلام-، (وتسبحوه) هي للَّه -عزّ وجل-؛ وهي صلاة
(١) حجة القراءات لعبد الرحمن بن محمد بن زنجلة أبي زرعة ص ٦٧١. (٢) كتاب الكليات لأبي البقاء الكفوي ص ٧٩٨، ويسمى أيضًا: التقسيم البديعي، كما قال أبو البقاء الكفوي: ولا يقيم على ضيم يراد به ... إلا الأذلان غير الحي والوتد هذا على الخسف مربوط برمته ... وذا يشج فلا يرثي له أحد كتاب الكليات ص ٢٦٥، وانظر: الإتقان للسيوطي ٢/ ٢٥١، وانظر: الإيضاح في علوم البلاغة للخطيب القزويني صـ ٣٣٢. (٣) البرهان للزركشي ١/ ١٢٤. (٤) تفسير الصنعاني لعبد الرزاق الصنعاني ٣/ ٢١١. وتفسير الطبري ٢٦/ ٧٥ بلفظ: وفي بعض الحروف: وتسبحوا اللَّه بكرة وأصيلًا. وفي الدر المنثور للسيوطي ٧/ ٥١٦: وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن هارون قال: في قراءة ابن مسعود: "ويسبحوا اللَّه بكرة وأصيلًا"، وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير -رضي اللَّه عنه- أنه كان يقرأ: "ويسبحوا اللَّه بكرة وأصيلًا"، وهي قراءة شاذة نعول عليها لتفسير المعنى فحسب.