الوجه الثالث: وهو مما لحقه من الغضب حتى أدى إلى الوكزة التي قضت على القبطي. (١)
الثاني: وأما عن قولهم: إنْ كان كافرًا حربيًا فَلِمَ استغفر من قتله بقوله: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي}؟
فالجواب عليه من وجوه:
الوجه الأول: كون الكافر مباح الدم أم لا يختلف باختلاف الشراع، فلعلَّ قتلهم كان حرامًا في ذلك الوقت (٢).
وهذا ما جزم به أبو السعود والشوكاني حيث قالا: لأنه لم يكن إذ ذاك مأمورًا بقتل الكفار (٣).
الوجه الثاني: وإنما جعل قتل الكافر من عمل الشيطان وسماه ظلمًا لنفسه واستغفر منه؛ لأنه كان مستأمنًا فيهم ولا يحل قتل الكافر الحربي المستأمن (٤).
الوجه الثالث: إن كان مباحًا لكن الأولى تركه - تأخير قتل الكفار إلى زمان آخر فلما قتل ترك ذلك المندوب - فطلب المغفرة من تركه للأولى كما هو سنة المرسلين في استعظامهم خلاف الأولى (٥).
الوجه الرابع: أنه قال: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} فعلى نهج قول آدم - عليه السلام -: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا}(الأعراف: ٢٣) أي: قاله على سبيل الانقطاع إلى الله، والاعتراف بالتقصير عن القيام بحقوقه وإِنْ لم يكن هناك ذنب قط. (٦)
(١) البحر المحيط ٧/ ١٠٥، المحرر الوجيز ٤/ ٢٨٠، التحرير والتنوير ٢٠/ ٩٠. (٢) تفسير الرازي ٢٤/ ٢٣٤. (٣) فتح القدير ٤/ ٢٣١، تفسير أبي السعود ٧/ ٦. (٤) تفسير النسفي ٣/ ٢٢٩، فتح القدير ٤/ ٢٣١، تفسير أبي السعود ٧/ ٦. (٥) تفسير الرازي ٢٣/ ٢٣٤، فتح القدير ٤/ ٢٣١، فتح البيان ١٠/ ٩٩، روح المعاني ٢٠/ ٥٥. (٦) تفسير الرازي ٢٤/ ٢٣٤، البحر المحيط ٧/ ١٠٥، زاد المسير ٦/ ٢٠٩.