الاستدفاء بها والاستضاءة وإصلاح الزاد (١).
[الوجه الرابع: فوائد الحمى.]
يقول ابن القيم: وَقَدْ يَنْتَفِعُ الْبَدَنُ بِالْحُمّى انْتِفَاعًا عَظِيمًا لَا يَبْلُغُهُ الدّوَاءُ، وَكَثِيرًا مَا يَكُونُ حُمّى يَوْمٍ وَحُمّى الْعَفَنِ سَبَبًا لإِنْضَاجِ مَوَادّ غَلِيظَةٍ لَمْ تَكُنْ تَنْضَجُ بِدُونِهَا، وَسَبَبًا لِتَفَتّحَ سُدَدٍ لَمْ يَكُنْ تَصِلُ إلَيْهَا الْأَدْوِيَةُ المُفَتّحَةُ.
وَأَمّا الرّمَدُ الحدِيثُ وَالمُتقَادِمُ فَإِنّهَا تُبْرِئُ أَكْثَرَ أَنْوَاعِهِ بُرْءًا عَجِيبًا سَرِيعًا، وتنفع من الفالج واللقوة- داء يكون في الوجه يعوج منه الشدق- والتشنج الامْتِلَائِيّ وَكَثِيرًا مِنْ الْأَمْرَاضِ الْحَادِثَةِ عَنْ الْفُضُولِ الْغَلِيظَةِ (٢).
ومن فوائدها أنها تذهب خطايا بني آدم: فعن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ الله - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ أَوْ أُمِّ المسَيَّبِ فَقَالَ: "مَا لَكِ يَا أُمَّ السَّائِبِ أَوْ يَا أُمَّ المسَيَّبِ تُزَفْزِفِينَ قَالَتْ: الْحُمَّى لَا بَارَكَ الله فِيهَا، فَقَالَ لَا تَسُبِّي: الْحُمَّى فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَني آدَمَ كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الحدِيدِ. (٣)
قال ابن القيم: لما كَانَتْ الْحُمّى يَتْبَعُهَا حَمِيّة عَنْ الْأَغْذِيَةِ الرّدِيئَةِ، وَتَنَاوُلِ الْأَغْذِيَةِ وَالْأَدْوِيَةِ النّافِعَةِ، وَفِي ذَلِكَ إعَانَةٌ عَلَى تَنْقِيَةِ الْبَدَنِ، وَنَفْيُ أَخْبَاثِهِ وَفُضُولِهِ وَتَصْفِيَتِهِ مِنْ مَوَادّهِ الرّدِيئَةِ، وَتَفْعَلُ فِيهِ كَمَا تَفْعَلُ النّارُ فِي الحدِيدِ فِي نَفْيِ خَبَثِهِ وَتَصْفِيَةِ جَوْهَرِهِ كَانَتْ أَشْبَهَ الْأَشْيَاءِ بِنَارِ الْكِيرِ الّتِي تُصَفّي جَوْهَرَ الحدِيدِ وَهَذَا الْقَدْرُ هُوَ المُعْلُومُ عِنْدَ أَطِبّاءِ الْأَبْدَانِ. وَأَمّا تَصْفِيَتُهَا الْقَلْبَ مِنْ وَسخِهِ وَدَرَنهِ وَإِخْرَاجَهَا خَبَائِثَهُ، فَأَمْر يَعْلَمُهُ أَطِبّاءُ الْقُلُوبِ وَيَجِدُونَهُ كَمَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ نَبِيّهُمْ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -.
فَالْحُمّى تَنْفَعُ الْبَدَنَ وَالْقَلْبَ وَمَا كَانَ بِهَذِهِ المُثَابَةِ فَسَبّهُ ظُلْمٌ وَعُدْوَانٌ. (٤)
(١) أضواء البيان ٧/ ٧٩٦.(٢) زاد المعاد ٤/ ٢٥.(٣) مسلم (٢٥٧٥).(٤) زاد المعاد ٤/ ٣١: ٣٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute