ومن أدلة ذلك قول الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}[المائدة: ٦]، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلَا صَدَقَة مِنْ غُلُولٍ". (١)
وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَقْبَلُ الله صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ"(٢).
وقال أيضًا: هذا الحديث - أي الأول - نص في وجوب الطهارة للصلاة .. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الثاني:"لا يَقْبَلُ الله صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ" فمعناه: حتى يتطهر بماء أو تراب، وإنما اقتصر - صلى الله عليه وسلم - على الوضوء لكونه الأصل والغالب، والله أعلم. (٣)
كما قال رحمه الله عند شرحه لحديث:"الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ ... "(٤) وقيل: المراد بالإيمان هنا الصلاة كما قال الله تعالى: ميو {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}[البقرة: ١٤٣]، والطهارة شرط في صحة الصلاة فصارت كالشطر وليس يلزم في الشطر أن يكون نصفًا حقيقيًا، وهذا القول أقرب الأقوال. (٥)
الوجه الثاني: أنَّه لا يشترط تجديد الوضوء لكل صلاة.
في الحديث كلمة "لَمْ يَتَوَضَّأُ" لا تعني أنه صلى وهو مُحدِث - أي على غير وضوء - بل إنها دليل على جواز الصلاة بالوضوء الواحد أكثر من فرض، وليس هذا الحديث - أي الأول - بمفرده هو الدليل على ذلك فقد ذكر العلماء حديثا آخر يبين جواز ذلك بصورة واضحة، وذلك في حديث سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الصَّلَوَاتِ يَوْمَ الْفَتْحِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ صَنَعْتَ الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ
(١) مسلم (٢٢٤). (٢) البخاري (١٣٥)، مسلم (٢٢٥). (٣) شرح مسلم للنووي ٢/ ١٠٣ - ١٠٤ بتصرف يسير. (٤) مسلم (٢٢٣). (٥) شرح مسلم للنووي ٢/ ١٠٣.