فأكرمه الله - سبحانه وتعالى - بأن أفاض عليه بركاته وأغناه، ورد عليه ولده وأهله جزاءً له على صبره على البلاء طيلة هذه المدة، وفي الحديث أن الله - عز وجل - ناداه وكلمه سواءً بواسطة أو بغير واسطة إكرامًا له - عليه السلام -، وانظر إلى حسن ظنه بالله تعالى وطمعه في رحمة الله حينما قال:(لا غنى لي عن بركتك)، وبهذا القول يصدق قول الله فيه وفي إخوانه من الأنبياء والصالحين {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}[الأنبياء: ٩٠].
[الوجه الرابع: أقوال المفسرين في هذه الآية.]
قال تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٤٤)} [ص: ٤٤]، الضغث: هو ما يجمع من شيء مثل حزمة الرُّطْبة، وكملء الكفّ من الشجر أو الحشيش والشماريخ ونحو ذلك مما قام على ساق (فَاضْرِبْ بِهِ): فاضرب زوجتك بالضِّغْث، لتَبرّ في يمينك التي حلفت بها عليها أن تضربها (وَلا تَحْنَثْ) يقول: ولا تحنَثْ في يمينك (١).
وفي ذلك أقوال:
١ - وذلك أن أيوب - عليه السلام - كان قد غضب على زوجته ووجد عليها في أمر فعلته. قيل: باعت ضفيرتها بخبز فأطعمته إياه فلامها على ذلك وحلف إن شفاه الله ليضربنها مائة جلدة، وقيل: لغير ذلك من الأسباب، فلما شفاه الله وعافاه ما كان جزاؤها مع هذه الخدمة التامة والرحمة والشفقة والإحسان أن تقابل بالضرب فأفتاه الله - عز وجل - أن يأخذ ضغثًا فيه مائة قضيب فيضربها به ضربة واحدة وقد بَرّت يمينه وخرج من حنثه ووفى بنذره، وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأناب إليه، ولهذا قال تعالى:{إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}(٢).
٢ - ولعل الكفارة لم تكن فيهم وخصنا الله بها مع شرعه فينا ما أرخصه له تشريفًا لنا، وكل هذا إعلامًا بأن الله تعالى ابتلاه - عليه السلام - في بدنه وولده وماله، ولم يبق له إلا زوجة فوسوس لها الشيطان طمعًا في إيذائهما كما آذى آدم وحواء عليهما السلام، إلى أن قارب
(١) تفسير الطبري (٢٣/ ١٦٨ - ١٦٩). (٢) تفسير ابن كثير (٤/ ٥٣) وقيل غير ذلك من أقوال ليس لها سند صحيح.