فإذا حققت ذلك: فاعلم أن إفراد الضمير باعتبار لفظة الذي، وجمعه باعتبار معناها؛ ولهذا المعنى جرى على ألسنة العلماء أن الذي تأتي بمعنى الذين، ومن أمثلة ذلك في القرآن هذه الآية الكريمة، فقوله:{كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ} أي: كمثل الذين استوقدوا بدليل قوله: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ} الآية، وقوله:{لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ} أي: كالذين ينفقون بدليل قوله إِلَيْكَ {لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا}، وقوله:{وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} بناء على الصحيح من أن الذي فيها موصولة لا مصدرية وفي كلام العرب قول الراجز:
يارب عبس لا تبارك في أحد ... في قائم منهم ولا في من قعد
إلا الذي قاموا بأطراف المسد. (٢)
[الوجه الثاني]
قد تُحذف النون من اسم الموصول (الذين)، كما قال أشهب بن رُمَيْلَة:
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد (٣)
يعني: الذين. (٤)
ويجوز في هذا أن يكون مفردًا وُصف به مقدرٌ مفردُ اللفظِ مجموعُ المعنى؛ أي: وإن الجمع الذي، أو: إن الجيش الذي. (٥)
(١) صرح بذلك القرافي والقاضي عبد الوهاب وابن السمعاني وانظر: البحر المحيط قي أصول الفقه للزركشي ٢/ ٢٤٧. (٢) دفع إيهام الاضطراب للشنقيطي ص ٩. (٣) البيت لأشهب بن رميلة، كما نسبه له ابن جني في سر صناعة الإعراب ٢/ ٥٣٧، وابن منظور في لسان العرب ١٥/ ٢٤٦. (٤) الصحاح للجوهري، مادة لذي ٦/ ٣٣١. (٥) شرح كافية ابن الحاجب لرضي الدين ٣/ ١٠٤.