وقوله:{فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ} وعنى بالخير في هذا الموضع الخيل، والعرب تسمي الخيل: الخير، والمال أيضًا يسمونه الخير (١).
وقوله:{عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} أي: إني أحببت حب الخير حتى سهوت عن ذكر ربي وأداء فريضته، وقيل: إن ذلك كان صلاة العصر (٢).
وقوله:{حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} يقول: حتى توارت الشمس بالحجاب، يعني: تغيبت في مغيبها، وقوله:{رُدُّوهَا عَلَيَّ} أي: الخيل التي عرضت عليَّ فشغلتني عن الصلاة (٣).
{فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} أي: أقبل يمسح سوقها وأعناقها بيده إكرامًا منه لها، وليرى أن الجليل لا يقبح أن يفعل مثل هذا بخيله (٤). والذي عليه أكثر السلف الأول فقالوا: اشتغل بعرض تلك الخيول حتى خرج وقت العصر وغربت الشمس، والذي يقطع به أنه لم يترك الصلاة عمدًا من غير عذر، اللهم إلا أن يقال: إنه كان سائغًا في شريعتهم فأخر الصلاة لأجل أسباب الجهاد وعرض الخيل من ذلك (٥).
وعلى ما حدث لنبينا - صلى الله عليه وسلم - يوم الخندق يُحْمَلُ فعلُ سليمان - عليه السلام -:
فعن جابر - رضي الله عنه - قال: جَاءَ عمر - رضي الله عنه - يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَمَا عرَبَتْ الشَّمْسُ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ الله، مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "والله مَا صَلَّيْتُهَا, فَقُمْنَا إِلَى بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ وَتَوَضَّأْنَا لَهَا، فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ"(٦).
المسألة الثانية:(ولقد فتنا سليمان).
(١) تفسير الطبري (٢٣/ ١٥٤). (٢) تفسير الطبري (٢٣/ ١٥٥)، وقد جاء في كيفية إشغال الخيل سليمان - عليه السلام - أخبارٌ كلها متلقاة من الإسرائيليات. (٣) تفسير الطبري (٢٣/ ١٥٥)، وانظر تفسير القرطبي (١٥/ ١٨٧). (٤) تفسير القرطبي (١٥/ ١٨٧)، وانظر تفسير البغوي (٢٣/ ٦١)، وقد جاء في هذا أنه قتلها والراجح ما ذكرنا عن ابن عباس بإسناد مقبول. (٥) البداية والنهاية لابن كثير (٢/ ٢٥). (٦) أخرجه البخاري (٥٩٦)، مسلم (٦٣١).