قلت: فيبدو مما مر أن عليًّا رجح النظر إلى جانب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يبق عنده موضع للدفاع عن عائشة في البداية. ثم عاد للدفاع عنها عندما قال (وَسَلْ الجارِيَة تَصْدُقْك). ولا يشك منصف في أن عليًّا - رضي الله عنه - لم يقصد الإساءة إلى عائشة بهذه المشورة؛ لأنه يعلم أن الإساءة إليها إساءة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وما الغم والهم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بسبب هذا الكلام. أفيعقل أن يشارك فيه علي وهو يريد أن يسري الهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ! .
٦ - وقوله سوء الظن الناشئ عن معرفته بسوابق أحوال عائشة، وأنه عرف ذلك من الجارية.
فالجواب عنه من وجهين:
الأول: أن الجارية قالت (لا أعلم عليها إلا خيرًا) وتعجبت من تهمة عائشة بذلك. (٢)
الثاني: إن عائشة على أصح الأقوال كان سنها في حديث الإفك اثني عشر سنة.
فأي السوابق فعلتها عائشة قبل هذا السن؟ ولعله يذكر اعتراضه من قليل على زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بها في التاسعة. فكيف يقول في التاسعة والعاشرة طفلة؟ والآن يقول إن لها سوابق؟ ! .
قوله: وهذا الظن السيئ ترافق مع سوء العلاقة بين فاطمة وعائشة، وإنه في هذه الحالة كانت أشباح فاطمة هي التي كانت تضرب الجارية بيد علي - وأنه كان يتمنى طرد عائشة من بيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأنها كانت هي وفاطمة في شقاق دائم.
والجواب علي هذا:
١ - سبق الجواب في الفقرة السابقة أن سوء ظن علي - رضي الله عنه - في عائشة لا أصل له.
٢ - أما سوء العلاقة بين فاطمة وعائشة فهذه فرية من أعظم الفرى.
ومن الأدلة حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة:"ألَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟ فَقَالَتْ: بَلَى. قَالَ: "فَأَحِبِّي هَذِهِ - يعني عائشة -" (٣). فلو لم تكن فاطمة تحب عائشة لكانت غير صادقة في قولها (بلى)، ولكانت عاصية لأبيها في قوله "فَأَحِبِّي هَذِهِ". وليست كذلك فاطمة - رضي الله عنها -.
(١) فتح الباري (٨/ ٣٣٤). (٢) انظر فتح الباري (٨/ ٣٣٥). (٣) مسلم (٢٤٤٢).