وقال الشوكاني: الضلال هنا بمعنى: الغفلة؛ كما في قوله:{لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى}، وكما في قوله:{وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}، والمعنى: أنه وجدك غافلًا عما يراد بك من أمر النبوّة، واختار هذا الزجاج، وقيل: معنى ضالًا لم تكن تدري القرآن ولا الشرائع، فهداك لذلك (١).
وقال القاضى عبد الجبار: وربما قيل في قوله تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} أليس ذلك يدل على جواز الضلال على نبينا - صلى الله عليه وسلم - وعلى سائر الأنبياء؟
وجوابنا: أن المراد بذلك ضالًا عن النبوة والرسالة وسائر ما خصَّ الله تعالى به نبينا - صلى الله عليه وسلم - من التعظيم وغيره فهداك الله إليها؛ لأنه في اللغة قد يقال: ضلَّ عن كيت وكيت إذا كان ذلك طريق منافعه، ولم يقل الله تعالى: ووجدك ضالًا عن الدين حتى يصح تعلقهم (٢).
وقال علي بن أحمد السبتي: الدليل على أن ضلال الأنبياء غفلة لا جهل قوله تعالى لنبينا - صلى الله عليه وسلم -: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} يعني: غافلًا عن الشريعة لا تدري كيفية العبادة فهداك لها بالأمر والنهي ثم قال له: {بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}[يوسف: ٣]، والجاهل لا يسمى غافلًا حقيقة لقيام الجهل به فصح أن ضلال الأنبياء - عليهم السلام - غفلة لا جهل (٣).
وهذا القول هو الذي عليه جمهور المفسرين ومَنْ بقي منهم ذَكر معاني أخرى جليلة (٤) بها فوائد عظيمة، فهَلُمَّ إلى بيانها:
(١) فتح القدير (٥/ ٦٥٩). (٢) تنزيه القرآن عن المطاعن (٤٧٠). (٣) تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالةُ الأغبياء - ابن حمير (١١٢). (٤) (تنبيه) قال الطبري في تفسيره (٣٠/ ٢٣٢): حدثنا ابن حميد قال: ثنا مهران عن السدي ووجدك ضالًا قال: كان على أمر قومه أربعين عامًا. اهـ. وهذا منقطع فإن بين السدي وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - مفاوز وآمادًا. =