وقال ابن عطية: وجاء قوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} اعتراضًا فصيحًا في أثناء القول؛ لأن قوله:{إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} هو متصل بقوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا}، وقيل: غفور لما أتيتم، رحيم بإحلال ما غنمتم (١)(٢).
قال الإمام الرازي: تمسك الطاعنون في عصمة الأنبياء عليه السلام بهذه الآية من وجوه:
الأول: أن قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} صريحٌ في أن هذا المعنى منهي عنه، وممنوع من قِبَلِ الله تعالى. ثم إن هذا المعنى قد حصل، ويدل عليه وجهان: الأول: قوله تعالى بعد هذه الآية: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى}(الأنفال: ٧٠) الثاني: أن الرواية التي ذكرناها قد دلت على أنه - صلى الله عليه وسلم - ما قتل أولئك الكفار، بل أسرهم، فكان الذنب لازمًا من هذا الوجه.
الثاني: أنه تعالى أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وجميع قومه يوم بدرٍ بقتل الكفار، وهو قولُهُ:{فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}(الأنفال: ١٢) وظاهر الأمر للوجوب، فلما لم يقتلوا بل أسروا كان الأسر معصية.
الثالث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم بأخذ الفداء، وكان أخذ الفداء معصية، ويدل عليه وجهان: الأول قوله تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} وأجمع المفسرون على أن المراد من عرض الدنيا هاهنا هو أخذ الفداء. والثاني: قوله تعالى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٦٨)} وأجمعوا على أن المراد بقوله: {أَخَذْتُمْ} ذلك الفداء.
الرابع: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر بكيا، وصرح الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه إنما بكى لأجل أنه حكم بأخذ الفداء، وذلك يدل على أنه ذنبٌ.
الخامس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إن العذاب قرب نزوله ولو نزل لما نجا منه إلا عمر"
(١) المحرر الوجيز لابن عطية ٢/ ٥٥٤. (٢) تفسير البحر المحيط ٤/ ٥١٥ - ٥١٦.