بَحْرِ السَّرِيعِ، وَلَعَلَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَهَا سَاكِنَةَ التَّاءِ أَوْ مُتَحَرِّكَةَ التَّاءِ مِنْ غَيْرِ إشبَاعٍ. (١)
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقول الشعر ولا يزنه، وكان إذا حاول إنشاد بيت قديم متمثلًا كسر وزنه، وإنما كان يحرز المعاني فقط - صلى الله عليه وسلم -، من ذلك أنه أنشد يومًا قول طرفة:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلًا ... ويأتيك من لم تزوده بالأخبار. (٢)
قال ابن العربي: قَالَ الْأَخْفَشُ: إنَّ هَذَا لَيْسَ بِشِعْرٍ، وَرَوَى ابْنُ المظَفَّرِ عَنْ الْخَلِيلِ فِي كِتَابِ الْعَيْنِ: إنَّ مَا جَاءَ مِنْ السَّجْعِ عَلَى جُزْأَيْنِ لَا يَكُونُ شِعْرًا. (٣) كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا النبي .. " وَرَوَى غَيْرُهُ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ مَنْهُوكِ الرَّجَزِ، فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لَا يَكُونُ شِعْرًا، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ لَا يَكُونُ مَنْهُوكَ رَجَزٍ إلَّا بِالْوَقْفِ عَلَى الْيَاءِ مِنْ قَوْلِك: لَا كَذِبْ، وَمنْ قَوْلِهِ: عَبْدُ المطَّلِبِ، وَلَمْ يُعْلَمْ كَيْفَ قَالَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَالْأَظْهَرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ قَالَ: لَا كَذِبٌ بِتَنْوِينِ الْبَاءِ مَرْفُوعَةً وَبِخَفْضِ الْبَاءِ مِنْ عَبْدِ المُطَّلِبِ عَلَى الْإِضَافَةِ. (٤)
وقال ابن حجر: وقد اختلف في جواز تمثل النبي - صلى الله عليه وسلم - بشيء من الشعر، وأنشده حاكيًا عن غيره، فالصحيح جوازه، وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد، والترمذي وصححه، والنسائي من رواية المقدام بن شريح عن أبيه قلت لعائشة: أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت: كان يتمثل من شعر ابن رواحة: ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود، وقد تقدم في غزوة حنين قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب" وأنه دل على جواز وقوع الكلام منه منظومًا من غير قصد إلى ذلك ولا يسمى ذلك شعرًا. (٥)
قال القرطبي: فيه أربع مسائل:
الأولى: أخبر تعالى عن حال نبيه - صلى الله عليه وسلم - ورد قول من قال من الكفار إنه شاعر وإن القرآن شعر بقوله:{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ}، وكذلك كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقول الشعر
(١) أحكام القرآن ٦/ ٤٧٢ وما بعدها بتصرف. (٢) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٥/ ٤٨ وما بعدها. (٣) العين للخليل بن أحمد ١/ ٤٦٨ بتصرف. (٤) أحكام القرآن لابن العربي ٦/ ٤٧٢ وما بعدها. (٥) فتح الباري ١٠/ ٤٢ بتصرف.