وفي هذا الحديث بيان حسن خلقه - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان سفكًا للدماء كما يُقال ما كلمه، ولا أمهله، فاقْتَصَرَ فِي الْيَوْم الثَّالِث عَلَى الْإِجْمَال تَفْوِيضًا إِلَى جَمِيل خُلُقه - صلى الله عليه وسلم -.
وفي الحديث تعْظِيم أَمْر الْعَفْو عَنْ المُسِيء؛ لِأَنَّ ثمامَة أَقْسَمَ أَنَّ بُغْضه اِنْقَلَبَ حُبًّا فِي سَاعَة وَاحِدَة لمِا أَسَدَاهُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِ مِنْ الْعَفْو وَالمُنّ بِغَيْرِ مُقَابِل (١).
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال أبو مُوسَى: كَانَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا، وَيسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا. (٢)
فأين ذكر السيف والكلام؟ .
وفي هذا الحديث الأمر بالتبشير بفضل الله وعظيم ثوابه، والنهي عن التنفير بذكر التخويف وأنواع الوعيد لحظة من غير ضمها إلى التبشير (٣).
وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يأمر الأمراء على البعوث ويوصيهم بأشياء تدل على أن هذا الدين لم ينتشر بالحدة مطلقًا، فعن بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ؛ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى الله وَمَنْ مَعَهُ مِنْ المُسْلِمِينَ خَيْرًا؛ ثُمَّ قَالَ: "اغْزُوا بِاسْمِ الله فِي سَبِيلِ
(١) فتح الباري (٨/ ١٠٤: ١٠٣). (٢) مسلم (١٧٣٢). (٣) شرح النووي (١٢/ ٤١). (٤) البخاري (٢٥٤١)، مسلم (١٧٣٠) واللفظ له.