قال ابن حجر: ومنهم من أعل حديث أبي سعيد، وقال: الصواب وقفه على أبي سعيد، قاله البخاري وغيره (١). أي الصواب أنه من قول أبي سعيد نفسه، وغلط بعض الرواة فجعله عن أبي سعيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد أورد ابن عبد البر قريبًا من معناه، موقوفًا، عن أبي سعيد، من طرق لم يذكر فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الوجه الثاني: المراد بهذا الحديث الوارد في النهي هو: من يوثق بحفظه، ويخاف اتكاله على الكتابة إذا كتب، وتحمل الأحاديث الواردة بالإباحة على من لا يوثق بحفظه.
الوجه الثالث: أن النهي خاص بوقت نزول القرآن؛ خشية التباسه بغيره، والإذن في غير ذلك.
الوجه الرابع: أن النهي خاص بكتابة غير القرآن مع القرآن في شيء واحد، والإذن في تفريقهما.
الوجه الخامس: أن النهي متقدم، والإذن ناسخ له عند الأمن من الالتباس (٢).
وممن قال بهذا القول: ابن شاهين في (الناسخ والمنسوخ)، وابن قتيبة في (تأويل مختلف الحديث)، والخطابي في (معالم السنن)، والنووي في (شرح مسلم)، وابن الصلاح، والبيهقي، كما حكى ذلك عنهما: ابن كثير في (اختصار علوم الحديث)، وابن القيم في (زاد المعاد)، و (تهذيب سنن أبي داود)، وابن حجر في (فتح الباري)(٣).
وقال ابن القيم: قد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- النهي عن الكتابة والإذن فيها، والإذن متأخر، فيكون ناسخًا لحديث النهي، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في غزاة الفتح "اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ" يعني خطبته التي سأل أبو شاة كتابتها، وأَذِنَ لعبد الله بن عمرو في الكتابة، وحديثه متأخر عن
(١) فتح الباري (١/ ٢٠٨). (٢) هذه الوجوه من شرح النووي على مسلم (١٨/ ١٣٠)، فتح الباري لابن حجر (١/ ٢٠٨). (٣) الناسخ والمنسوخ (٤٠٦)، تأويل مختلف الحديث (٢٨٦)، معالم السنن (٤/ ١٧٠)، شرح صحيح مسلم (٩/ ١٣٠)، الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث (٢/ ٣٧٨)، زاد المعاد في هدي خير العباد (٣/ ٤٥٧)، تهذيب السنن (٥/ ٢٤٥)، فتح الباري بشرح صحيح البخاري (١/ ٢٥١).