يَسْقُطُ بِالْعَجْزِ عَنْ مِثْلِ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْعَجُوزِ الْكَبِيرَةِ الَّذِينَ يَعْجِزُونَ عَنْهُ أَدَاءً وَقَضَاءً. وَكَذَلِكَ الحجُّ فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْهُ وَقَدْ قَالَ تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: ٩٧]، بَلْ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الاسْتِطَاعَةَ الشَّرْعِيَّةَ المُشْرُوطَةَ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لَمْ يَكْتَفِ الشَّارِعُ فِيهَا بِمُجَرَّدِ الْمِكْنَةِ وَلَوْ مَعَ الضَّرَرِ بَلْ مَتَى كَانَ الْعَبْدُ قَادِرًا عَلَى الْفِعْلِ مَعَ ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ جُعِلَ كَالْعَاجِزِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ الشَّرِيعَةِ: كَالتَّطَهُّرِ بِالمُاءِ وَالصِّيَامِ فِي المُرَضِ وَالْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ تَحْقِيقًا لِقَوْلِهِ تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥]، وهو في الصحيحين عن أنس له عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أَنَّ الْأَعْرَابِيَّ لَمَّا بَالَ فِي المَسْجِدِ قَالَ: "لَا تزرموه" - أَيْ لَا تَقْطَعُوا عليهِ بَوْلَهُ - "فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ" (١).
وقال أيضًا: وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْعِبَادَاتِ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مُسْتَطِيعٍ وَأَنَّ المُسْتَطِيعَ يَكُونُ مُسْتَطِيعًا مَعَ مَعْصِيَتِهِ وَعَدَمِ فِعْلِهِ كَمَنْ اسْتَطَاعَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالحَجِّ وَلَمْ يَفْعَلْهُ فَإِنَّهُ مُسْتَطِيع بِاتِّفَاقِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلْعِقَابِ عَلَى تَرْكِ الْمَأْمُورِ الَّذِي اسْتَطَاعَهُ وَلَمْ يَفْعَلْهُ لَا عَلَى تَرْكِ مَا لَمْ يَسْتَطِعْهُ. (٢)
وقال أبو الحسين البصري: لا يصح شرعًا التكليف بالمستحيل الذي لا يجد المكلف سبيلًا ممكنًا لفعله. (٣)
* * *
(١) مجموع الفتاوى لابن تيمية (٨/ ٤٣٩: ٤٣٨)، والبخاري (٢٢٠)، ومسلم (٢٨٤).(٢) مجموع الفتاوى (٨/ ٤٨٠: ٤٧٩).(٣) المعتمد في أصول الفقه (١/ ٩٨).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute