{لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} لأن هذا ينفرهم ويبغضهم لمن قام به هذا الخلق السيئ (١).
وقال تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}[النحل: ١٢٥].
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن أعرابيًا بال في المسجد، فثار إليه الناس ليقعوا به فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دعوه وأهريقوا على بوله ذنوبًا من ماء أو سجلًا من ماء فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين"(٢).
فانظر إلى رحمته - صلى الله عليه وسلم - بهذا الأعرابي حتى علمه وبين له خطأ ما فعل، بعدما انتهى من بوله، وبين له المساجد لا تصلح لهذا.
وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السلمي - رضي الله عنه - قَالَ:"بَيْنَا أَنَا أُصَلِّى مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ الله، فرماني الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ! مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَىَّ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِى لَكِنِّى سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فبأبي هُوَ وأمي؛ مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ؟ فَوَالله، مَا كَهَرَنِي، وَلَا ضربني، وَلَا شتمني؛ قَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شيء مِنْ كَلَامِ النَّاسِ؛ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ" (٣) أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -".
قال النووي: فِيهِ: بَيَان مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عَظِيم الْخُلُق الَّذِي شَهِدَ الله تَعَالَى لَهُ بِهِ، وَرِفْقه بِالْجَاهِلِ، وَرَأْفَته بِأُمَّتِهِ، وَشَفَقَته عَلَيْهِمْ (٤).
وعن معاذ بن جبل وأبي بردة - رضي الله عنهم - قال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لما بعثهما إلى اليمن: "يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا"(٥).
وعن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: "ما خُير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما؛ ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه في شيء
(١) تفسير السعدي (١٥٤). (٢) أخرجه البخاري (٦١٢٨). (٣) أخرجه مسلم (٥٣٧). (٤) شرح النووي (٣/ ٢٧). (٥) أخرجه البخاري (٦١٢٤)، ومسلم (١٧٣٣).