الموضع الأول: فكان قبل ولادة موسى - عليه السلام - كما قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٤)} [القصص: ٤]. وكان هذا الأمر لأجل الاحتراز من وجود موسى أو لإذلال هذا الشعب وتقليل عدوهم أو لمجموع الأمرين.
الموضع الثاني: فكان بعد ما وقع من الأمر العظيم وهو الغلب الذي غلبته القبط في ذلك الموقف الهائل وأسلم السحرة الذي استنصروا بهم، كما قال تعالى: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (١٢٧)} [الأعراف: ١٢٧]. وكما قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (٢٥)} [غافر: ٢٥]. وكان الغرض من هذا الأمر لإهانة هذا الشعب والتقليل لملأ بني إسرائيل لئلا يكون لهم شوكة يمتنعون بها ويصولون على القبط بسببها وليتشاءموا بموسى - عليه السلام -.
وهذا هو قول جمهور المفسرين (١). وممن قال بهذا القول قتادة - رضي الله عنه - حيث قال في تفسير هذه الآية: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (٢٥)} [غافر: ٢٥].
قال - رحمه الله -: هذا بعد القتل الأول. وفي لفظ هذا قتل غير القتل الأول الذي كان (٢).
* * *
(١) جامع البيان للطبري (١٤/ ٥٦)، والرازي (٢٧/ ٥٤)، والقرطبي (١٥/ ٢٩٢)، وابن كثير (١٢/ ١٨٤)، وفتح القدير (٤/ ٦٨٥)، وروح المعاني (٢٤/ ٦٢)، والتحرير والتنوير (٢٤/ ١٢٣). (٢) عبد الرزاق في تفسيره (٢٦٧٠) من حديث معمر عن قتادة وإسناده صحيح، وأخرجه الطبري تفسيره (٢٤/ ٥٦) من حديث سعيد بن أبي عروبة عنه.