فهذا كله كلام امرأة العزيز، ويوسف إذ ذاك في السجن لم يحضر بعد إلى الملك ولا سمع كلامه ولا رآه، ولكن لما ظهرت براءته في غيبته كما قالت امرأة العزيز: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (٥٢)} أي: لم أخنه في حال مغيبه عني، وإن كنت في حال شهوده راودته فحينئذ: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤)} وقد قال كثير من المفسرين: إن هذا كلام يوسف، ومنهم من لم يذكر إلا هذا القول. وهو قول في غاية الفساد، ولا دليل عليه، بل الأدلة تدل على نقيضه (١).
الدليل الثاني: وكذلك قوله تعالى عنه أنه قال: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤)} فصح عنه أنه قط لم يصبُ إليها (٢).
الدليل الثالث: أن الله تعالى لم يذكر عنه ذنبًا، فلم يذكر ما يناسب الذنب من الاستغفار، بل إن من الباطل الممتنع أن يظن ظانٌّ أن يوسف - عليه السلام - هَمَّ بالزنا وهو يسمع قول الله تعالى:{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} فنسأل من خالفنا: الهم بالزنا بسوء هو أم غير سوء؟ لا بد أنه سوء، وقد صرف الله عنه
(١) مجموع الفتاوى (١٠/ ٢٩٨). (٢) الفصل لابن حزم (٤/ ١١).