ثالثًا: أن ابن عباس نفسه وقد استفاض عنه أنه قرأ: وقضى، وذلك دليل على أن ما نسب إليه في تلك الروايات من الدسائس الرخيصة التي لفقها أعداء الإسلام.
قال القرطبي: ثم أبى أبو حاتم أن يكون ابن عباس قال ذلك.
وقال: لو قلنا هذا لطعن الزنادقة في مصحفنا، ثم قال علماؤنا المتكلمون وغيرهم: القضاء يستعمل في اللغة على وجوه: فالقضاء بمعنى الأمر، كقوله تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[الإسراء: ٢٣] معناه أمر. والقضاء بمعنى الخلق، كقوله:{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ}[فصلت: ١٢] يعني خلقهن.
والقضاء بمعنى الإرادة، كقوله تعالى:{وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[البقرة: ١١٧]، والقضاء بمعنى العهد، كقوله تعالى:{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ}[القصص: ٤٤]. فإذا كان القضاء يحتمل هذه المعاني فلا يجوز إطلاق القول بأن المعاصي بقضاء الله؛ لأنه إن أريد به الأمر فلا خلاف أنه لا يجوز ذلك؛ لأن الله تعالى لم يأمر بها، فإنه لا يأمر بالفحشاء (١).
قال أبو حيان: والمتواتر {وَقَضَى} وهو المستفيض عن ابن عباس والحسن وقتادة بمعنى أمر. وقال ابن مسعود وأصحابه: بمعنى وصى (٢).
(١) تفسير القرطبي ١٠/ ٢٣٨. (٢) البحر المحيط ٧/ ٣٣٢.