وقال سعيد بن أبي عَرُوبة، عن قتادة، عن عائشة: كان يتمثل ببيت أخي بني قيس، فيجعل أوله آخره، وآخره أوله. فقال أبو بكر ليس هكذا، فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني والله ما أنا بشاعر ولا ينبغي لي"(١).
ومع فصاحته - صلى الله عليه وسلم - كان يبغض الشعر، روى الإمام أحمد عن أبي نوفل قال: سألتُ عائشة: أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتسامع عنده الشعر؟ فقالت: كان أبغض الحديث إليه. وقال عن عائشة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعجبه الجوامع من الدعاء، ويدع ما بين ذلك. (٢)
يقول ابن عاشور: تقدير المعنى: نحن علمناه القرآن وما علمناه الشعر، فالقرآن موحىً إليه بتعليم من الله والذي أوحى به إليه ليس بشعر، وإذن فالمعنى: أن القرآن ليس من الشعر في شيء. ودل على أن هذا هو المقصود من قوله:{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} قوله عقبه {وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ}، أي ليس الذي علمناه إياه إلا ذكرًا وقرآنا وما هو بشعر. والتعليم هنا بمعنى الوحي، أي وما أوحينا إليه الشعر فقد أطلق التعليم على الوحي في قوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: ٤, ٥] وقال {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ}[النساء: ١١٣](٣).
يقول: وقوله: {وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} جملة معترضة بين الجملتين المتعاطفتين أي ما يتأتّى له الشعر، قُصِدَ منها اتباع نفي أن يكون القرآن الموحَى به للنبي - صلى الله عليه وسلم - شعرًا بنفي أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - شاعرًا فيما يقوله من غير ما أوحى به إليه، أي فطر الله النبي - صلى الله عليه وسلم - على النفرة بين ملكته الكلامية والملكة الشاعرية، أي لم يجعل له ملكة أصحاب قرض الشعر؛ لأنه أراد أن يقطع من نفوس المكذّبين دابر أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - شاعرا وأن يكون قرآنه شعرًا؛ ليتضح بهتانهم عند من له أدنى مسكة من تمييز للكلام.
(١) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٦/ ٥٩٠، ورواه عبد الرزاق في تفسيره (٢/ ١١٧) عن معمر عن قتادة، به. (٢) أخرجه أحمد (٦/ ١٣٤)، والطيالسي في المسند (١٥٩٣)، والبيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ٢٤٥)، وابن أبي شيبة (٢٦٦١٥) وقال الهيثمي في المجمع ٨/ ٢٢٠: رجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في الصحيحة (٣٠٥٩). (٣) التحرير والتنوير ٢٣/ ٥٧. وانظر أيضًا: نظم الدرر ٦/ ٢٧٩، وأحكام القرآن لابن العربي ٤/ ١٦٠٩.