منهم إلى النار عدلًا منه، وكل يعمل لما قد فرغ له، وصائر إلى ما خلق له، والخير والشر مقدران على العباد.
قال ابن أبي العز: قوله: "إن الجنة والنار مخلوقتان" اتفق أهل السنة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، ولم يزل على ذلك أهل السنة، حتى نبغت نابغة من المعتزلة والقدرية، فأنكرت ذلك، وقالت: بل ينشئهما الله يوم القيامة! ! وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة لما يفعله الله، وأنه ينبغي أن يفعل كذا، ولا ينبغي له أن يفعل كذا! ! وقاسوه على خلقه في أفعالهم، فهم مشبهة في الأفعال، ودخل التجهم فيهم، فصاروا مع ذلك معطلة! وقالوا: خلق الجنة قبل الجزاء عبث! لأنها تصير معطلة مددًا متطاولة! ! فردوا من النصوص ما خالف هذه الشريعة الباطلة التي وضعوها للرب تعالى، وحرفوا النصوص عن مواضعها، وضللوا وبدعوا من خالف شريعتهم. (١)
وقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- سدرة المنتهى، ورأى عندها جنة المأوى. كما في الصحيحين، من حديث أنس -رضي الله عنه-، في قصة الإسراء، وفي آخره "ثُمَّ انْطَلق بِي حَتَى انْتَهَى بِي إِلَى سِدْر المنتهَى وَغَشِيَهَا أَلوَان لَا أَدْرِي مَا هِيَ، ثُمَّ أُدْخِلْتُ الجنةَ فَإِذَا فِيهَا حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ وإِذَا ترابُهَا المسْكُ ... "(٢)
عَنْ أَنسٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَال: "الْعَبْدُ إِذَا وُضِعَ في قَبر، وَتُوُلِّىَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالهِمْ، أَتاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ في هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ
(١) شرح العقيدة الطحاوية ١/ ٤٢٠. (٢) البخاري (٣٤٩)، مسلم (١٦٣).