فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الإِيمَانُ الشَّرْعِيُّ الْمُكْتَسَبُ بِالإِرَادَةِ وَالفِعْلِ، لأَنَّهُ مَعَ وُجُودِ الإِيمَانِ الفِطْرِيِّ مَحْكُومٌ لَهُ بِحُكْمِ أَبَوَيْهِ الكَافِرَيْنِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى فِطْرَتِهِ الَّتِي جُبِلَ عَلَيْهَا مِنَ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ، وَعَلَى مَا سَبَقَ لَهُ مِنْ قَدَرِ اللهِ، وَتَقَدَّمَ مِنْ مَشِيئَتِهِ فِيهِ مِنْ كُفْرٍ أَوْ إِيمَانٍ، فكُلُّ صَائِرٌ فِي العَاقِبَةِ إِلَى مَا فُطِرَ عَلَيْهِ وَخُلِقَ لَهُ، وَعَامِلٌ فِي الدُّنْيَا بِالعَمَلِ الْمُشَاكِلِ لِفِطْرَتِهِ فِي السَّعَادَةِ أَوِ الشَّقَاءِ.
فَمِنْ أَمَارَاتِ الشَّقَاوَةِ لِلطِّفْلِ أَنْ يُولَدَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ يَهُودِيَّيْنِ أَوْ نَصْرَانِيَّيْنِ، فَيَحْمِلَانِهِ عَلَى اعْتِقَادِ دِينِ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَيُعلِّمَانِهِ اليَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ، أَوْ يَمُوتَ قَبْلَ أَنْ يَعْقِلَ، فَيَصِفَ الدِّينَ، فَهُوَ مَحْكُومٌ لَهُ بِحُكْمِ وَالِدَيْهِ، إِذْ هُوَ فِي حُكْمِ الشَّرِيعَةِ تَبَعٌ لِوَالِدَيْهِ (١)، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: (فَأَبَواهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ)، وَيَشْهَدُ لِهَذَا حَدِيثُ عَائِشَةَ ﵂: (طُوبَى لَهُ لَمْ يَعْمَلْ شَرًّا وَلَمْ يَدْرِ بِهِ) (٢)، وَحَدِيثُ أُبَيٍّ بن كَعْبٍ ﵁ (٣) في قَوْلِهِ ﴿وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ﴾ (٤)، قِيلَ: كَانَ طُبعَ كَافِرًا.
وَمِنْ بَاب: مَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْأَعْرَابِيُّ: يُتَأَوَّلُ مَا كَانَ مِنْ تَكْفِينِ النَّبِيِّ ﷺ عَبْدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ
(١) هذا القولُ الَّذِي حَكَاهُ ابن المباركِ ﵀ لَيْسَ قَوْلًا واحِدًا لأَهْلِ السُّنَّة، فقدِ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ اختلافًا كَبِيرًا، وينظرُ اخْتِلافُهُم في شرح ابن بطال (٣/ ٣٧٣).(٢) أخرجه مسلم (رقم: ٢٦٦٢).(٣) أخرجه مسلم (رقم: ٢٦٦١).(٤) سورة الكهف، الآية: (٨٠).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute