وَبِأَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ، وَلِسَانِ العَرَبِ، وَكَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ يَفْصِلُ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ، وَبَيْنَ القَوِيِّ مِنَ الأَقَاوِيلِ وَالضَّعِيفِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ ثُمَّ حَكَمَ بِحُكْم؛ فَإِنْ كَانَ مُصِيبًا كَانَ لَهُ أَجْرَانِ، وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا فَلَهُ أَجْرٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ" (١).
والظَّاهِرُ مِنْ هَذِهِ الاِخْتِيَارَاتِ - عَلَى وَجَازَتِهَا - دِقَّةُ الإِمَامِ قِوَامِ السُّنَّةِ ﵀، وَعَبْقَرِيَّتُهُ الأُصُولِيَّة، كَمَا يَتَبَيَّنُ أَثَرُ مَدْرَسَةِ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي الأُصُولِ، وَلَا عَجَبَ فِي ذَلِكَ؛ فَإِمَامُنَا شَافِعِيٌّ كَمَا تَقَدَّمَ.
خَامِسًا: عُلُومُ اللغَةِ العَرَبِيَّة
احْتَفَى الْمُحَدِّثُونَ بِعُلُومِ العَرَبِيَّةِ: نَحْوًا، وَصَرْفًا، وَبَلَاغَةٌ، وَأَدَبًا، وَشِعْرًا، وَمِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ كُلِّهِ: عِنَايَتُهُمْ بِاسْتِعْمَالِ العَرَبِ الْمُتَّبَعِ فِي مُخَاطَبَاتِهِمْ وَمُحَادَثَاتِهِمْ فِي مَنْثُورِ كَلَامِهِمْ وَشِعْرِهِمْ؛ ذَلِكَ أَنَّ ضَبْطَ العَرَبِيَّةِ، وَمَعْرِفَتَهَا سَبِيلٌ لِضَبْطِ السُّنَّةِ وَحِفْظِهَا مِنْ كُلِّ أَشْكَالِ الضَّيَاع، وَلَهُمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ قَصَصٌ مَشْهُورَةٌ، وَأَحْدَاثٌ مَعْلُومَةٌ، عَكْسَ مَا يُرَوِّجُ لَهُ البَعْضُ مِنْ عَدَمِ اهْتِمَامِ أَهْلِ الحَدِيثِ بِعُلُومِ العَرَبِيَّةِ.
وَيَكْفِي الرُّجُوعُ إِلَى كُتُبِ عُلُومِ الحَدِيثِ لاسْتِجْلَاءِ هَذَا الاهْتِمَامِ، وَمَعْرِفَةِ حَجْمِ هَذَا الاحْتِفَاءِ؛ فَقَدْ عَقَدَ الخَطِيبُ البَغْدَادِيُّ ﵀ مَثَلًا بَابًا فِي كِتَابِهِ: الجَامِعُ لأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِع سَمَّاهُ: "التَّرْغِيبُ فِي تَعَلُّم النَّحْوِ وَالعَرَبِيَّةِ لِأَدَاءِ الحَدِيثِ بِالعِبَارَةِ السَّوِيَّةِ" (٢)، أَوْرَدَ فِيهِ ﵀ كَثِيرًا مِنَ الْأَخْبَارِ الشَّاهِدَةِ عَلَى
(١) التحرير شرح صحيح مسلم (ص: ٣٨٤ - ٣٨٥).(٢) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (٢/ ٢٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute