وَمَعْنَى الحَدِيثِ: أَنَّ الإِنْسَانَ قَلَّ مَا يَبْطَرُ مَعَ الفَقْرِ؛ وَإِنَّمَا يَأْخُذُهُ الأَشِرُ إِذَا فُتِحَتِ الدُّنْيَا عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَنَالُ فِي الثَّرْوَةِ شَهَوَاتِ الْمَطْعَمِ وَالْمَنْكَحِ وَالْمَلْبَسِ، ثُمَّ إِذَا تَتَابَعَتْ عَلَيْهِ النَّعَمُ فَتَخَبَّطَ فِيهَا كَانَ كَاكِلَةِ الخَضِرِ فِي الرَّبِيعِ إِذَا رَعَتْ أَنْوَاعَ الكَلأ رُبَّمَا رَعَتْ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِلتَّلَفِ، وَرُبَّمَا مَرِضَتْ عَنْهُ فَحَبِطَتْ بُطُونُهَا أَيْ انْتَفَخَتْ فَقَرُبَتْ مِنَ التَّلَفِ؛ فَشَبَّهَ مَا يُأْخَذُ مِنَ الدُّنْيَا بِمَا تَرْعَاهُ الدَّوَابُّ، لِأَنَّهُ إِذَا اشْتَغَلَ بِمَلَاذِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا رُبَّمَا رَكِبَ الشُّبُهَاتِ وَالحَرَامَ، فَأَدَّى ذَلِكَ إِلَى الهَلَكَةِ وَدُخُولِ النَّارِ، ثُمَّ هُوَ إِذَا أَنْفَقَهُ فِي مَوْضِعِهِ وَأَخْرَجَ مِنْهُ حَقَّهُ سَلِمَ مِنْ تَبِعَتِهِ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (فَنِعْمَ صَاحِبُ المُسْلِمِ مَا أَعْطَى مِنْهُ المِسْكِينَ وَاليَتِيمَ) (١) يَعْنِي: مَا أَنْفَقَهُ فِي هَذِهِ الوُجُوهِ.
وَقَوْلُهُ: (وَإِنَّهُ مَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَالَّذِي يَأْكُلُ (٢) وَلَا يَشْبَعُ، وَيَكُونُ شَهِيدًا عَلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ).
(كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ): الْمَرِيضِ الَّذِي لَا يَنْجَعُ فِيهِ الطَّعَامُ، كُلَّمَا أَرَادَ أَكْلًا ازْدَادَ جُوعًا، يَعْنِي أَنَّ شِدَّةَ الحِرْصِ لَا يَزْدَادُ صَاحِبُهَا كُلَّ يَوْمٍ إِلَّا حَاجَةً وَفَقْرًا، فَهُوَ أَبَدًا فِي مَحْلٍ وَاحْتِيَاجٍ.
وَمِنْ بَابِ: الزَّكَاة عَلَى الزَّوْجِ وَالْأَيْتَامِ فِي الحَجْرِ
قَوْلُهُ: (قَالَهُ أَبُو سَعِيدٍ) يَعْنِي الحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ فِي بَابِ الزَّكَاةِ عَلَى
(١) الحديث (رقم: ١٤٦٥).(٢) في المخطوط (كالذي لا يأكل)، وهو خَطَأٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute