قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: "وقوله: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} يقول -تعالى-: وإن استنصروكم هؤلاء الأعراب، الذين لم يُهاجروا في قتالٍ دينيّ، على عدوٍّ لهم فانصُروهم، فإنّه واجبٌ عليكم نَصْرهم؛ لأنهم إخوانكم في الدّين، إلاَّ أن يستنصروكم على قومٍ مِن الكُفَّار {بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} أي: مُهادنة إلى مُدّة، فلا تخفِروا ذمَّتكم، ولا تنقضوا أيمانكم مع الذين عاهدتم. وهذا مرويٌّ عن ابن عباس -رضي الله عنهما-" انتهى.
والوفاء جُزءٌ من الإيمان، عن عائشة -رضي الله عنها- أنّ النبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:"إنّ حُسنَ العهد مِن الإيمان"(١).
ولقد كان الوفاء خُلُقَ الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام-: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا}(٣).
وقد عاهدَ رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد الهجرة اليهود عهداً، [أَمَّنَهم على دمائهم، وأموالهم]، بشرط ألا يُعينوا عليه المشركين، فنقَضُوا العهد، ثمّ اعتذروا، ثمّ
(١) أخرجه الحاكم وغيره وانظر "صحيح الجامع" (٢٠٥٢) و"الصحيحة" -لزاماً- تحت رقم (٢١٦). (٢) المؤمنون: ٨ - ١١. (٣) مريم: ٥٤.