فقال بعضهم: ذلك ثابتٌ اليوم، لم ينسخه شيء، وللحُكّام من الخِيار في كلّ دهر بهذه الآية، مثلُ ما جعَله الله لرسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ثمّ ذكَر مَن قال ذلك.
ثمّ قال -رحمه الله-: وقال آخرون: بل التخيير منسوخٌ (١)، وعلى الحاكم إذا احتكَم إليه أهل الذمَّة أن يحكُم بينهم بالحقّ، وليس له تْرك النظرِ بينهم.
ثمّ ذكرَ من قال ذلك.
ثمّ قال -رحمه الله-: "وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب: قول مَن قال: إنّ حُكم هذه الآية ثابتٌ لم يُنسَخ، وأنّ للحُكَّام مِن الخِيار في الحُكم بين أهل العهد إذا ارتفعوا إليهم فاحتكموا، وترْكِ الحكم بينهم والنظر، مثلُ الذي جَعَله الله لرسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِن ذلك في هذه الآية"(٢) انتهى.
(١) وجاء في "سنن أبي داود": (باب الحُكم بين أهل الذِّمّة)، وجاء تحته نصّان، الأول: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: " {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} فنُسخت قال: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بما أنزل الله} " أخرجه أبو داود (٣٥٩٠)، "صحيح سنن أبي داود" (٣٠٦١). والثاني: عن ابن عباس -رضي الله عنهما أيضاً- قال: "لما نزَلت هذه الآية {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}، {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} الآية، قال: كان بنو النضير إذا قتَلوا من بني قريظة، أدَّوا نصف الدية، وإذا قتل بنو قريظة من بني النضير، أدَّوا إليهم الدّية كاملة، فسوّى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهم". أخرجه أبو داود (٣٥٩١) وغيره، "صحيح سنن أبي داود" (٣٠٦٢). (٢) انظر تتمة كلامه وتفصيله -إنْ شئت المزيد من الفائدة- في المصدر المذكور.