النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قد تعدَّدت صيغةُ الأمرِ في لفظِه بالنَّسبة إلى [بعض](١) هذه الأمور [دون بعض](٢)، فأمرَ ببعضها بصيغةٍ مفرَدَةٍ له، وأمر بأُخرَ بصيغةٍ مفردةٍ، وأرادَ بإحداهما الوجوبَ، وبالأخرى النَّدبَ، فلا يلزم في لفظه - صَلَّى الله عليه وسلم - أن يكونَ لفظاً واحداً استُعمِلَ في حقيقتِهِ ومجازه (٣).
وأمَّا لفظُ الراوي، وهو قوله:"أمرنا"، فهل يكون مستعملاً للفظِ في حقيقتِه ومجازِه؟ فيه نظرٌ دقيق عندي، فيُلْمَح ها هنا ما قيل في علم الأصول: أنَّ مدلولَ اللفظِ قد يكونُ لف ظًا، ومذهبُ من يرى أنَّ الأمرَ حقيقة في الوجوب (٤)، مع أن بعضَ هذه الأوامرِ للوجوب جَزْماً، وتأمَّلْ [في](٥) ذلك.
السَّادسة: ومما يترتَّب على ذلك أيضاً أنه قال: "وعن الحريرِ والإستبرقِ والدّيباج"، ولقائلٍ أَنْ يسألَ ويقول: ما الفائدةُ في التكّرارِ وكلُّه حريرٌ؟
فيقال فيه: إنَّما يكونُ تَكراراً لو كانَ إخباراً عن الجمع، بمعنى: أنه أخبر عن الرسول - صَلَّى الله عليه وسلم - أنه نهى عن هذه الثلاثةِ في وقتٍ واحدٍ،
(١) زيادة من "ت". (٢) زيادة من "ت". (٣) انظر: "البحر المحيط" للزركشي (٢/ ٣٩٩)، (٣/ ٢٥٩). (٤) انظر: "الأحكام" للآمدي (٢/ ١٦٢)، و"الإبهاج" للسبكي (٢/ ٥). (٥) زيادة من "ت".